Wednesday 31 August 2016

السيسي وأبواب التاريخ




سرحت فكأنما تحول ما قرأته في صفحات المصادر والمراجع التاريخية إلى واقع، يكاد يكون صورة طبق الأصل مما جرى في حقب غابرة.. إذ سقطت بغداد والبصرة والكوفة وكل عراق العرب.. وسقطت دمشق وحلب وحماة وحمص وكل بلاد الشام، ومن قبل سقطت فلسطين وامتد السقوط إلى المغرب الكبير، حيث سقطت برقة وفزان وطرابلس وكل ليبيا.. وأضحت بقية البلاد الناطقة بالعربية مهددة بالوباء نفسه، وفي هذا لا فرق بين أن كان السقوط من قبل بما فيه من دمار وهلاك وخراب وقتل وتشريد على يد التتار والمغول، وبين أن يكون الآن على يد الأمريكان وحلفائهم والصهاينة، ثم بالإرهاب من داعش والنصرة والقاعدة والإخوان والسلفيين! ارجعوا إلى مصادر ومراجع تلك الفترات التي اكتسح فيها الإعصار الدموي المرعب العراق والشام، حتى طرق أبواب مصر، وتصفحوا الصحف الآن، وتذكروا ما شاهدتموه وتشاهدونه على شاشات التليفزيون، وسوف لن تفاجأوا إذا ما كان الأمر صورة كربونية بلغة العواجيز أو كوبي بست بلغة هذه الأيام!

حتى الآن لا جديد في الكلام إذ يبدو وكأنه امتداد وتكرار لما يتردد حول "لا بدية" أن نُقبل أيدينا ظاهرًا وباطنًا، ونرفع أعيننا للسماء شاكرين أن حمى الله مصر وصانها من أن تواجه المصير نفسه، وأن جيش مصر وقيادة السيسي هم من تصدوا، ولولاهم لكنا جميعًا في خبر كان.. وبالفعل لا جديد عندي سوى استكمال التذكير ببقية الصفحة القديمة فلعل فيها ما يفيدنا ويفيد من تصدوا للطوفان.. أي قواتنا المسلحة وقيادتها!

بقية الصفحة القديمة أستقيها من المراجع المعتمدة على مصادر موثقة، ومنها كتاب بعنوان "في مصر الإسلامية"، أعيد إصداره عام 2015 عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، وعلى غلاف أنيق الإخراج مكتوب: "أخرجه د. زكي محمد حسن والملازم أول عبد الرحمن زكي، واشترك في الكتابة فيه جاستون فييت ومحمود أحمد ويونس مهران وإسماعيل أبو العينين"، والمفرح أن الكتاب الذي كتب قبل ما يزيد على قرن من الزمن كان بمبادرة من صحيفة "المقتطف"، وصاحبها الأستاذ فؤاد صروف، أي أنه جهد واهتمام شعبي من خارج دائرة الحكومة آنذاك، وأن الذين ساهموا في كتابته هم مجموعة من المتخصصين في التاريخ الإسلامي، وتاريخ العصور الوسطى، وكلهم متطوعون للكتابة.. لذا يكون من المحزن ألا تتصدى صحفنا التي تهدر المليارات لمثل هذا الجهد البناء.

في الفصل المعنون "عواصم مصر الإسلامية" كتب الملازم أول عبد الرحمن زكي عن الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة.. ثم وصل إلى القاهرة التي عرفها المؤرخ الأشهر صاحب الخطط "المقريزي 766 هجرية - 845 هجرية"، فيقول إنها "صارت قلب الديار ومركز تجارتها ومبعث ثقافتها ومنارة دينها".. ثم يؤكد الحقيقة التاريخية التي تطمئن فؤاد كل من يهتم بالتاريخ ليعرف الحاضر ويستشرف المستقبل، وهي حقيقة أن مصر عرفت وجربت المصائب والمحن، ولم يحدث أن سقطت فيها للأبد، وإنما ما تلبث أن تنهض.. فالمقريزي شاهد مرحلتين مهمتين في تطور القاهرة، كانت المرحلة الأولى لما ارتدت القاهرة ثوب حياتها الجديدة عقب ما أصابها من وباء عاث فيها في عهد الملك الناصر، فكانت من أروع محن مصر، والمرحلة الثانية في أوائل القرن التاسع عشر، بعدما منيت به من المصائب الثلاث: الوباء والغلاء وهبوط النيل، ثم عادت لتسترد مكانتها.. ففي عصر قايتباي امتلأت القاهرة بمجموعة رائعة من منشآته السامية، التي تمثل خير تمثيل العمارة المملوكية، ومنها جامع تمرز وجامع أزبك وقصر يشبك ومدرسة قايتباي وضريحه ووكالته بالأزهر وسبيله، ووكالته بباب النصر، والثانية بالسروجية وقبة الفداوية ومدرسة الروضة.

ثم أدعوكم لما أردت فعلاً الوقوف أمامه وتمثله لنتدبره في مرحلتنا المعاصرة الآن، حيث يقتبس الملازم أول عبد الرحمن زكي فقرة طويلة نسبيًا من كتاب عبد الرحمن الرافعي، وأستأذنكم أن أنقلها أيضًا لأنني أعتقد أن استكمال العظمة التي ارتبطت بإنقاذ مصر من طوفان مغول وتتار العصر الحالي، أي التخطيط الأمريكي والتربص الصهيوني، والتنفيذ الهمجي على يد جماعات الإرهاب الزاعم أن مرجعيته دينية إسلامية يتم بتعظيم متعمد ومخطط للثقافة من الآداب والفنون.. وللديمقراطية الحقة غير المصطنعة وللتماسك الاجتماعي حول الدولة وحول هدف وطني جامع شامل.. وبغير ذلك يبقى الأمر ناقصًا غير مكتمل.. يقول عبدالرحمن الرافعي: ".. إلى السلاطين البحرية والبرجية والشراكسة يرجع الفضل في إنقاذ الآداب العربية من غزوات المغول التي كادت تقضي على العلوم والآداب العربية في الشرق كله.. فكانت مصر ملجأ للناطقين بالضاد ممن فروا أمام التتار في العراق وفارس وسوريا وخوراسان، وبقيت لغة حكومتها عربية في عهد تلك الدولتين - البحرية والبرجية والشراكسة - واستظلت العلوم والآداب العربية بحماية الملوك والسلاطين في مصر ونبغ فيها طائفة من فطاحل الشعراء والأدباء والعلماء كالبوصيري صاحب البردة والسراج الوراق، وابن نباتة المصري، والقلقشندي صاحب صبح الأعشى، والأبشيهي صاحب المستطرف، وابن منظور صاحب لسان العرب، وابن هشام النحوي العظيم، وابن عبدالظاهر، والقسطلاني المحدث المشهور، وشمس الدين السخاوي صاحب الضوء اللامع، وابن خلكان المؤرخ المشهور صاحب وفيات الأعيان، والصفدي صاحب الوافي، وابن حجر المؤرخ إمام الحفاظ والمحدثين في زمانه، والعيني المؤرخ والمحدث، وابن وصيف شاه وابن دقماق، والمقريزي صاحب الخطط، والمكين ابن العميد أبو الفداء صاحب تقويم البلدان، والذهبي والنويري صاحب نهاية الأرب، وابن فضل الله العمري صاحب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، وابن عقيل وابن تغري بردي صاحب النجوم الزاهرة، وجلال الدين السيوطي، والدميري صاحب حياة الحيوان، وابن إياس المؤرخ الذي أدرك الفتح العثماني، وقد استضافت مصر في ذلك العصر جماعة من أئمة العلوم والفلسفة في الشرق كابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن خلدون".

ثم كانت انعطافة الهبوط والتراجع بالغزو التركي العثماني لمصر إذ "فقدت القاهرة أهم عنصرين في حياتها: مكانتها وسكانها، فقد نزلت عن عرشها مضطرة للآستانة متنازلة عن مقامها الروحي، وفقدت أيضًا شأنها التجاري ولم تعد في أيام الأتراك أكثر من مدينة قديمة ذات آثار وذكريات، واستمر مركز القاهرة ثانويًا حتى ولي الأمر في مصر محمد علي، فأعاد لها مكانًا خليقًا بها وأعاد إليها المجد القديم".. انتهى الاقتباس.

على ذلك، ولذلك أوجه نداءً إلى قيادة مصر وإلى حكومتها أن أعلنوا أن مصر المحروسة تفتح أحضانها لكل الأدباء والفنانين والعلماء والمثقفين من أبناء العراق والشام وفلسطين وليبيا، وكل مكان عربي دمره مغول العصر وتتره.. ولن يكون الأمر جادًا وفاعلاً ما لم تزدهر ثقافة مصر.. آدابها وفنونها وإبداعاتها.. عندئذ يدخل عبدالفتاح السيسي وجيش مصر من كل أبواب التاريخ، وليس فقط أبواب إنقاذ الدولة ومواجهة الإرهاب.
                         
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 1 سبتمبر 2016.

Tragedy over Salah Salem St.



A few years ago I knew by chance from an official in Cairo governorate that al-Rahman al-Rahim mosque overlooking the main road of Salah Salem was not authorized to have a ceremonial hall… this happened as I was late to a meeting I was supposed to be the first to arrive to since I was the inviter… I apologized and explained how cars were forced to change their course and go back in the reverse direction so that they may find a way out to avoid the blockage resulted from cars parking in lines next to the mosque until the road was completely locked… that official in charge at that time was one of the guests…

It seems that matters worsened even more that a massive iron fence was made to separate the side street parallel to the mosque while iron blockages with the sign “Cairo traffic” written on them erected outside the fence… also a car-lifting crane in addition to few policemen were deployed to prevent cars from parking in lines… however, it was in vain!

A short distance from that mosque lies another one; that is the police mosque where the mosque’s dome bears the shape of a hand grenade and the end of the minaret has the shape of a bullet… situated in the side street next to the police mosque is the traffic department…

A short distance before that mosque lies the way coming down from al-Bo’outh al-Islamiya bridge where cars come down sometimes rushing and most times slowing because of the huge number of cars lining and pedestrians crossing the street without any traffic light or pedestrians’ passing lines and away from any discipline practiced from any responsible authorities… there have been many running over and crashing accidents by cars in this place… moreover, many quarrels and arguments erupted due to disorder in orchestrating car traffic and pedestrians’ crossing… also, due to people coming to offer their condolences in the ceremonial halls embracing them.

On the other side lies Abuelmakarem el-Zoghl mosque; the relatively far from the main road but the vibrant activity of people coming there to offer condolences along with their cars affect the main road of Salah Salem… as this road of Salah Salem encompasses many ceremonial halls associated to some arms and departments in the armed forces where some occasions like weddings and banquets are held.

This is the case of one of the most important roads affecting traffic movement in Cairo and which is getting worse in the very same road when it diverts into three branches only short distance after the police mosque… the right lane leads to al-Ga’fari street, al-Azhar headquarter and dar al-Ifta… the middle lane leads to al-Azhar tunnel… and the left one leads to the famous al-Azhar park…

You would be very unlucky if it happened that you were in this place in the time period from afternoon until evening when cars pile up and some try to play smart… cars, especially pick-ups and microbuses, come from the most right side to the far left side towards the citadel to cut the road before those moving in their course blocking the entrance of the tunnel and peeping out their horns… not to mention the ugly words you hear like “what’s wrong?... what do you want?... do you want me to hit your car?... mine is junk but yours is very expensive”.

Here, we find ourselves standing before a situation that is highly significant… as mosques are supposed to be built in the first place to worship God and hold prayers … and to call for simplicity and easiness on people… however, you discover that if we have allocated the money spent generously on these mosques to find solutions for the problems of education, health and production, we’d have participated in achieving the very essential purpose of religion; that is helping people to build and spread goodness in earth…

Of course, all those who have spent their money in such aspect are most appreciated… but I here ask because I don’t know: shall mosques act against the law and practice activities that are not authorized to? Has our religion called for mosques to turn into a reason to make people’s normal life impossible? And should it continue like this without finding a solution?

We here talk about a unified law for worshipping places in which all these places are equal and regarded as sources of love, peace, role models of respecting law and enhancing people’s behavior… We have to tackle and discuss such thing… also, the state has to put an end to such problem so that mosques do not turn into places spreading harm regardless of the good intention of those who have volunteered to build and fund them… what is the definition of harm if it is not turning goodness into threatening people’s life and disrespecting law?

Moreover, there is another problem; that is noise pollution through microphones that is still worsening… I here mention that some of those who put their life savings in buying a residence in a place where they thought they could find some quietness missing in Cairo, are standing helplessly before those who insist on putting eight or may be ten microphones over one minaret… then you find the ugly voice void of any melody or beauty roaring every prayer to frighten people…

I remember when I went once to the mosque to have Ishaa prayers and asked about the one who echoed al-Azaan… I asked him if he had ever heard of the quranic verse saying “do not recite [too] loudly in your prayer or [too] quietly but seek between that an [intermediate] way”, verse 110 of al-Isra chapter… I also asked him if he knew that Prophet Muhammed – Peace be upon him – had ordered Belal be the one calling for prayers because he had the most beautiful voice… again, I asked him about the use of shouting out loud with his coarse voice through the highest level of volume for the eight microphones especially that there were more neighboring mosques and that residents were very few in the area?

The answer, which he thought would make me speechless, was “well, but why don’t we see you often in the mosque?”… The man believed that only those who come frequently to the mosque are the only ones allowed to ask and talk!

Finally, I doubt any official may interfere to find a solution for such tragedy taking place over the main road of Salah Salem… as who will tell the police to fix the situation around their mosque… to make a bridge or tunnel for pedestrians… to transfer the ceremonial hall into al-Moshir Tantawi mosque for example… or even to build another mosque for police in a more spacious area?... who will discuss the legality of non-authorized ceremonial halls in al-Rahman al-Rahim mosque?... who will ask to make certain side lanes separated by platforms from the main road in front of the clubs and ceremonial halls bearing the name of many arms and departments associated to our great army?

Translated into English by: Dalia Elnaggar



This article was published in Almasry alyoum newspaper on August 31, 2016.

To see the original Arabic article, go to:


#almasry_alyoum #ahmed_elgammal

الملحمة السوداء في صلاح سالم




بالصدفة ومنذ عدة سنوات عرفت من أحد مسؤولي محافظة القاهرة أن مسجد الرحمن الرحيم القائم في طريق صلاح سالم لم يرخص له بدور مناسبات، إذ كنت قد تأخرت عن لقاء يفترض أن أكون أول الواصلين باعتباري صاحب الدعوة، وقدمت اعتذاري وشرحت كيف اضطرت السيارات أن تحول مسارها وترتد في الاتجاه المعاكس، لتجد "تخريمة" تتفادى بها الانسداد الذي ترتب على تراكم السيارات لعدة صفوف بجوار المسجد حتى أغلق الطريق تماما.. وكان أحد المدعوين هو ذلك المسؤول في المحافظة آنذاك.. ويبدو أن الأمر استفحل حتى تم إنشاء سور حديدي هائل يفصل بين الشارع الفرعي المحاذي للجامع، ووضعت الفواصل الحديدية المكتوب عليها مرور القاهرة خارج السور، ثم تم وضع "ونش" وعدة رجال شرطة لمنع اصطفاف السيارات، ومع ذلك لا فائدة!

وبعد مسافة من ذلك المسجد يقع مسجد الشرطة، حيث القبة المصممة على شكل قنبلة يدوية ونهاية المآذن على شكل طلقة رصاص، وفي الشارع الجانبي المجاور لمسجد الشرطة تقع إدارة المرور، وقبله بمسافة بسيطة يقع منزل كوبري البعوث الإسلامية، حيث تنزل السيارات مندفعة أحيانا وبطيئة غالبا لأن صفوف السيارات وأعداد المشاة العابرين بدون أية إشارة وبدون خطوط مرور المشاة وبدون أي تنظيم من الجهات المسؤولة أعداد كثيفة، وكم حدثت حوادث دهس بالسيارات واصطدام وكم وقعت مشاحنات ومشاجرات بسبب خلل نظام سير السيارات وعبور المشاة وتنظيم الجنازات وتوافد المعزين للقاعات المخصصة للعزاء؟!

وعلى الجهة المقابلة يقع مسجد أبو المكارم الزغل البعيد نسبيا عن الطريق الرئيسي، ولكن نشاط العزاء فيه وحركة سيارات المعزين تؤثر على المسار في صلاح سالم، الذي يمر بعد ذلك على عدة دور تحمل أسماء بعض أسلحة وإدارات القوات المسلحة، وفيها أيضا تقام المناسبات المفرحة من أفراح وأعراس وعزومات!

هذا هو حال أحد الشرايين شديدة الأهمية في حركة المرور بالقاهرة، التي يزداد طينها بللا في الشارع نفسه عندما يتوزع بعد مسجد الشرطة بمسافة يسيرة إلى ثلاثة مخارج الأيمن يؤدي إلى شارع الجعفري ومشيخة الأزهر ودار الإفتاء، والأوسط تدخل منه إلى نفق الأزهر، والأيسر يستمر بك إلى أن تصل لحديقة الأزهر ذات الصيت الذائع، ويبقى نهارك بلا نهار إذا تصادف وكنت في تلك المسافة في الفترة من بعد الظهر إلى المساء، حيث تتكدس السيارات وتبدأ الفهلوة والحرفنة في فرض نفسيهما، إذ تأتي السيارات وخاصة نصف النقل والميكروباصات من أقصى اليمين لتقطع طريق الملتزمين بخط سيرهم متجهة إلى أقصى اليسار باتجاه القلعة، فتسد مدخل النفق ويعلو صوت آلات التنبيه وتتدفق وصلات الردح، وخاصة من المعتدين الذين تكون أول صيحاتهم.. "إيه.. في إيه.. عاوز إيه.. يعني اخبطك.. أنا عربيتي شوية صاج بشلن.. وممكن أعورك"!

نحن أمام لوحة شديدة الدلالات.. فالمساجد لله في الأساس وجعلت لإقامة الصلاة.. والأصل فيها البساطة واليسر.. إلا أنك تكتشف حجم الفخامة وغزارة الإنفاق الذي لو خصص لحل مشاكل التعليم والصحة والإنتاج لساهم في تحقيق أصل الأصول، وهو مساعدة خلق الله على أن يجيدوا مهمة الاستخلاف في الأرض.. وطبعا فإن الشكر والتقدير والدعاء موصول لكل من أنفق من ماله في هذا الشأن، لكني أسأل أهل الذكر لأنني لا أعلم: هل يجوز أن تخالف المساجد القانون وتمارس أنشطة لم يرخص لها بها؟! وهل من الدين أن تتحول المساجد إلى سبب من أسباب استحالة الحياة السليمة للبشر، وهل يجوز أن يستمر الوضع على هذا النحو بدون أي حل؟!

إننا نتكلم عن قانون موحد لدور العبادة تتساوى فيه الأماكن التي يذكر فيها اسم الله، ولتكون كلها مصدرا للمحبة والسلام واحترام القانون وترشيد سلوك البشر، ولابد أن نتطرق وأن نناقش وأن تحسم الدولة هذا الوضع، كي لا تصبح كلها مساجد ضرار بصرف النظر عن نية ومقصد من تطوع خيرا ببنائها والإنفاق عليها.. إذ ما الضرار إلا أن يكون تحويل هذا الخير إلى مصدر يهدد حياة الناس وينسف احترام القانون؟!

ثم إن مشكلة الانفجار الصوتي عبر مكبرات الصوت مازالت تتفاقم، وأذكر هنا أن بعض الذين وضعوا مدخرات حياتهم في شراء مسكن بمكان ظنوا أن فيه بعض الهدوء المفتقد في القاهرة، يقفون عاجزين أمام الإصرار على وضع ثمانية أو عشرة مكبرات صوت في مئذنة واحدة.. ثم ينطلق الصوت الخالي من أية نداوة أو حلاوة لينزل الرعب في قلوب المسلمين، لدرجة أنني مثلا ذهبت إلى المسجد لأصلي العشاء وسألت عمن رفع الأذان وسألته عما إذا كان قد سمع الآية التي تقول "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا" (الإسراء 110)، وعما إذا كان قد عرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يكون بلال هو المؤذن، لأنه أندى صوتا.. وعما إذا كان من الضروري الزعيق بأعلى درجة من صوت أجش خشن متحشرج عبر أعلى درجات للميكروفونات الثمانية خاصة أن هناك عدة مساجد مجاورة وأن عدد القاطنين قليل جدا؟!

وجاءتني الإجابة التي ظن صاحبها أنها مفحمة: "طيب إحنا مابنشوفكش في الجامع ليه"؟! وقد ظن أن من يتردد على المسجد الذي يؤذن حضرته فيه هو وحده الذي من حقه أن يتساءل أو أن يتكلم!
ومن الآخر كما يقول ولاد البلد.. أشك أن يتدخل المسئولون في تلك الملحمة المأساوية بطريق صلاح سالم، إذ من سيقول للشرطة نظموا الأوضاع حول مسجد الشرطة.. أقيموا كوبري مشاة أو نفقا أو انقلوا المناسبات من تشييع وعزاء إلى مسجد المشير طنطاوي، أو أقيموا مسجدا آخر للشرطة في منطقة براح أوسع، ومن سيبحث في مدى قانونية قاعات المناسبات بمسجد الرحمن الرحيم، ومن سيطلب استحداث ممرات فرعية محددة بأرصفة فاصلة عن الطريق الرئيسي أمام الدور التي تحمل أسماء أسلحة وإدارات تابعة لجيشنا العظيم؟!
                                
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 31 أغسطس 2016.

Wednesday 24 August 2016

خدم "عند".. وعاملون "مع"




تشتد حرب البراغيث على المصريين.. مؤسسات الدولة ومواطنيها، وإذا كانت المؤسسات تستطيع أن تحمي نفسها من آثار تلك الحرب، فإن المواطنين العزل يصيبهم مزيد من الضرر الرهيب، خاصة أنها حرب من نوع خاص، سلاحه هو المعلومة، ودماره يصيب العقل والوجدان والإرادة، وإن بقيت الأجساد والمباني سليمة!

وقبل أن أستطرد، فإن حكاية البراغيث- لمن لا يعرفونها ولم يعانوا منها في الطبيعة- تبدأ من أن البرغوث حشرة صغيرة، قد يتراوح حجمها بين سن الدبوس وبين ضعفي حجم رأسه، وهي طفيلية شرسة شرهة تتغذى على دماء فريستها التي قد تكون إنسانا أو حيوانا، وتلبد في ثنايا ملابس الإنسان وفراشه وأرضية وجدران مكان معيشته، خاصة إذا كانت طينية أو مليئة بالنتوءات والشقوق، وتتجه إلى الجلد قافزة بأرجلها الطويلة نسبيا- قياسا على حجمها- وتغرز خرطومها لتسحب الدماء، وتظل تسحب حتى تمتلئ ويبدأ الدم في الخروج من مؤخرتها ليرسم خطا دمويا متجلدا، وتثقل حركتها، وهي تتناسل بأعداد مخيفة، ولا حل معها سوى الإبادة بالمبيدات أو بالنار لحرق تجمعاتها في الشقوق، فالواحدة منها كفيلة بقض مضجع أي إنسان وحرمانه من النوم والراحة طوال ما هي سارحة في ملابسه وعلى جلده، كما أنها تثير قرف الناس منه، وابتعادهم عنه إذا ظهرت على هدومه!

حرب البراغيث التي نواجهها تتمم حرب الإرهاب التي تواجهنا، فما فشل ويفشل الإرهابيون فيه باستخدام الرصاص والديناميت وغيرهما تحاول البراغيث تحقيقه بالشائعة والمعلومة الناقصة والتحليل الملتوي والتقرير المغلوط وإثارة المعارك الجانبية، وتحويل الانتباه من الكلي الشامل إلى الجزئي المفتت، والضغط على مفاصل الضعف المتخلفة عن فترة الانحطاط الطويل التي بلغت ذروتها بحكم مبارك وبطانته، وبدق الأسافين بين فئات المجتمع، وبين المجتمع والحكم، وداخل مؤسسات الحكم نفسها.. وهلم جرا.

ولقد وصل تأثير حرب البراغيث إلى من يفترض أنهم محصنون ضدها، وأعني بهم الذين لديهم القدرة على الفهم وفرز المعلومات وإدراك الأبعاد المختلفة للواقع، وأزعم أن العبد لله- كاتب هذه السطور- منهم، حيث يصلح هذا العبد لله حالة دراسة تمثل ما قد يصيب القوى الحية التي ساهمت لسنين طويلة في مقاومة الاستبداد والفساد، وتوجت جهدها بالمشاركة في ثورتي يناير ويونيو، ونذرت ما تملك من طاقة فكرية وثقافية وقدرات سياسية وإعلامية للوقوف في الصف الوطني المقاوم للإرهاب وللتخلف والانتهازية والاستغلال، وأعني بالإصابة الخلل في تدفق المعلومات الصحيحة، وتمزق الأربطة الواصلة بين رموز وأعضاء هذه القوى الحية، ثم تعطل "كابلات"- إذا جاز استخدام المصطلح- الاتصال بين هذه القوى الحية وبين المركز الأول، وهو الرئيس السيسي، الذي وإن كان لا يتوانى في توضيح كل جوانب الصورة ولا يكل ولا يمل من العمل الدءوب المتفاني في خدمة وطنه إلا أنني أذهب إلى أن هناك منطقة لا تزال مكشوفة، هي التواصل أو "التدفئة المتبادلة" بين الرئاسة وبين المخلصين للعمل الوطني دون أن ينتظروا جزاء ولا شكورا ولا موقعا ولا منصبا ولا مغنما.. وإنما ينتظرون المساهمة الفعلية في فرق العمل التي يجب أن تنتشر في كل ربوع المحروسة ويكون "تمامها" عند الرئيس مباشرة!

وفي هذا السياق، فإن هناك فرقا بين الخدمة عند المؤسسة وبين العمل معها.. والمؤسسة هنا كناية عن الرئاسة، لأن من يخدم "عند" يمكن أن ينتقل من بلاط إلى بلاط ومن صاحب عمل إلى آخر، ومن مائدة إلى "ترابيزة"، دون أن يرف له جفن، ودون أن يشعر بأي وخز في ضميره أو جسده، لأنه يؤدي المهمة وعينه على قوائم الكرسي وليس على الجالس عليه، أما من يعمل "مع" فهو منطلق من أرضية القناعة، ومن معنى ومضمون "الشراكة"، ويقبل بدفع الثمن أيا كان حجمه، ويتحمل الخسارة حتى إن أصابته في مقتل، ويعف عن التربح، وقد يكون الربح الوحيد له هو خدمة الفكرة والمبدأ اللذين يؤمن بهما ويتيقن أنهما في صالح الوطن!

ذلك كلام من المؤكد أنه سيثير الجهتين، جهة من يؤمنون بالخدمة "عند" أيا كان هذا الـ"عند"، وجهة المتربصين من جبهة البراغيث، وسيقال في أبسط الأحوال إنه طلب على "عرضحال تمغة" للالتحاق بالركب الرئاسي، وأيا كان ما سيقال فإن صحيفة سوابق "حالة الدراسة" تؤكد أنها لم تعمل لحظة واحدة "عند"، ولم تتورع ثانية عن دفع الثمن وتحمل الخسارة التي وصلت لحظة ما إلى السجن والتشرد وقضاء الليل بافتراش نجيل الحدائق العامة وتلحف الخيمة الزرقاء!

وفيما أعتقد جاء حوار الرئيس السيسي مع رؤساء تحرير الصحف القومية ليمثل جزءا مهما من مواجهة حرب البراغيث سواء بالمعلومات الوفيرة عن جوانب كثيرة، أو بالكشف عن انحيازات الرجل الاجتماعية والوطنية، وبتعرية أبعاد الحملة المضادة– حرب البراغيث– التي تتعمد تشويه كل ما يتم إنجازه والتشكيك في كل شيء، حتى النوايا والتوجهات المستقبلية!

وفي ظني واعتقادي اليقيني أن المواجهة لا يمكن أن تستمر بهذه الطريقة.. بمعنى ترك البراغيث تواصل حربها في كل ثانية، وبغير توقف، فيما نحن على الجانب الآخر ننتظر حديثا أو حوارا رئاسيا، ونظل مشدودين مرهقين بغياب المعلومة الفورية وبتقطع كابلات الاتصال، وتمزق أربطة التواصل بين مواقعنا! وكأننا لا تكفينا المعاناة من أن تختلط المقامات بين من يخدمون "عند" وبين من يعملون "مع"!
ولله سبحانه وتعالى الأمر من قبل ومن بعد.
                            
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 25 أغسطس 2016.

Building churches’ law



 Regardless whether Mr. Magdi el-Agati, minister of legal affairs and parliament in the government is the one behind the law of building churches or not, the whole matter has become awfully disgusting in the broad meaning of the word… as what is the point behind causing all this disgust to people to drive them to despair of any glimpse of hope or reform…

And then many would think that the whole state is involved in such corruption and is submitted to salafists’ influence and inactive cells of muslim brotherhood… and in case you tried to negate or refute such allegations or even pretend, through following the president’s stances and political discourse, that you know he can never agree to such thing or support it, no one will believe you and the least scathing comment you will receive is that “they distribute roles… nothing more”.

The first thing to say about that law is that those who stood behind it did not consult any of the specialized in this field nor made use of experiences accumulated or debates related to this regard… they haven’t exerted a little effort to look for everyone who has experience and knows true definitions and wordings of national terms clearly defying sectarianism… and how texts should clearly express its wording away from any misunderstanding or misinterpretation that send us back to eras dating back to the pre-modern age.

I’m not a lawyer, minister or political activist, but if you ask me about those experienced and efficient people, I will tell you about some active, knowledgeable and patriotic figures that are still alive and no one dares to say a word about them… since I have always participated since the beginning of the eighties in many cultural and intellectual events that tackled and discussed these issues… and solid common stances were developed which state that we must block the way before many penetrations I believe they all hit the nation in the core.

First penetration is spreading of sectarianism vertically among society’s classes and groups, and horizontally in certain areas.

Second penetration is that the citizen do not enjoy his citizenship in his country… also state institutions withdrew from assuming their roles paving the way for other religious, factional or categorical entities to occupy their place… meaning to threaten the very existence of the state and recoil to the time preceding its establishment.

Third penetration is that some Christian clergy men and others in charge of religious education and Dawaa in the muslim side have turned into powerful centres enjoying unlimited influence in the society… impeding and negating in such way the role of authorities; whether legislative, executive or juridical, like what we all witnessed and felt deeply sorry for when people like “Hassaan” interfered to solve problems in customary sessions away from applying law!

Forth penetration is the continuous escalation in sectarian congestion by turning all economic, social and other problems into sectarian ones… consequently; any degree of political or intellectual awareness contributing to society progress is completely missed.

Fifth penetration is contributing to the collapse of our national immune system… making it easy for foreign parties to mess with the Egyptian composition… and here we quote chief of Israeli military intelligence in his Farewell ceremony saying “sectarianism-wise, we could make whatever we wanted in Egypt and no president after Mubarak will make it come back to what it was before”!

One of the biggest and most dangerous penetration is when an Egyptian citizen finds himself suffering a disgusting sectarian discrimination while his fellow citizen enjoys all his rights… it’s really disgusting when an Egyptian citizen finds his worship place governed by unjust and illogical laws and bylaws.

Honestly, we are fed up of giving examples from history like when Omar ibn el-Khattab prayed outside The Church of the Holy Sepulchre and said his famous quote... before that was Prophet Muhammed's - Peace be upon him and his family - will to take well care of Egypt's Copts... now we wonder: isn't it better if we let people have the right to worship God starting from the way they do such thing and reaching to the shape of their worship place, especially if its appearance - meaning its design - is related to the rituals they perform in their prayers?

Again we wonder: what is the harm if a single law governing building of all worship places of all religions was adopted… especially that Egypt is not less mature or developed than the UAE where freedom of worship and building worship places for all religious groups living there are guaranteed including the Buddhist, Hindu and others?

What harms me as an Egyptian if a new church is built or another rebuilt because it became smaller, dilapidated or its facilities needed renovation… or is it the greatest sin ever… the sin of arrogance… “I am better than him”… the devil once said it disobeying the divine order to kneel before Adam.

Where were muslims when the sound of a ringing bell was the sign that prophet Muhammed will receive a revelation… the first one to know that prophet Muhammed – while he was still a boy – will be sent prophet for his nation is a Christian monk named Bahiera inhabiting the outskirts of Levant’s desert… and when prophet Muhammed entered Kaaba at the opening of Mecca, he laid his cloak over a picture or statue for Mary, the Virgin and Jesus and said… “these two, you leave them to me”.

What is all this false arrogance that reveals socio-psychological illnesses known by scientists as “diseases of the majority”… what is really catastrophic is that they are empty of any meaning that might qualify them to outperform at any degree.

Let Egypt alone with its churches, mosques and synagogues… open the door for everyone who wants good for Egypt and its people… for the existence of Christians in Egypt in specific is a divine will… and if anyone wants me to elaborate on this, I’m ready.

Translated into English by: Dalia Elnaggar



This article was published in Almasry alyoum newspaper on August 24, 2016.

To see the original article, go to:

#almasry_alyoum #ahmed_elgammal #building_churches_law

ليمون مصر.. لن يكفي




بصرف النظر عما إذا كان هو الوزير العجاتي أم غيره من وراء قانون الكنائس، إلا أن الأمر أصبح مقرفا، وبما يحمله القرف من معانٍ وما يجلبه من آثار، ولن يكفي إنتاج المحروسة من الليمون البنزهير لإصلاح ما أفسده ويفسده الذين يمعنون في فرض القرف على الناس وعيشتهم ليعم اليأس من أي إصلاح وأي أمل، وليحدث التعميم فيعتقد كثيرون أن الدولة كلها من رأسها لساسها ضالعة في المأساة وخاضعة لنفوذ الدقون السلفية، وخلايا الإخوان النائمة، وتعال حضرتك وحاول أن تنفي أو تفند أو ترفض التعميم أو تدعي المعرفة من خلال متابعة مواقف رئيس الجمهورية وخطابه السياسي بأنه لا يمكن أن يكون موافقا ولا من وراء ما يحدث، ولن يصدقك أحد بل إن أخف تعليق ستسمعه: "إنه تقسيم أدوار"!

أول الكفر في قصيدة القرف هو أن الذين من وراء القانون- شكلا ومضمونا- لم يستفيدوا أبدا من المختصين في هذا المجال، ولا من تراكمات الخبرة والمناقشات المتصلة بالموضوع، ولو كانوا كلفوا أنفسهم مشقة بسيطة، وهي البحث عن كل من له خبرة ويعرف كيف هي المعاني والصياغات الوطنية العابرة للطائفية، ويعرف دلالات الألفاظ وكيف أن النصوص عندما تصرف لظاهر معانيها لا يجب أن تحتمل لبسا ولا ازدواجا ولا نكوصا لمراحل متخلفة تعود إلى ما قبل العصر الحديث!

وإذا سألتني حضرتك عن تلك الخبرات والكفاءات، ومحسوبك ليس رجل قانون ولا وزيرا ولا ناشطا سياسيا، لذكرت لك أسماء ما زالت على قيد الحياة وفاعلة وفاهمة ووطنية ولا يجرؤ أحد على وصمها بأي شبهة طائفية! ذلك لأنني طالما شاركت- ومنذ مطلع الثمانينيات- في فعاليات ثقافية وفكرية ناقشت هذه المسائل، وتكونت قناعات مشتركة راسخة تشير إلى حتمية سد الثغرات أمام عدة اختراقات، كلها قاتلة للوطن.

الاختراق الأول هو: استمرار شيوع الثقافة الطائفية رأسيا بين مختلف فئات وطبقات المجتمع، وأفقيا في مناطق بعينها أكثر من غيرها.

الاختراق الثاني هو: ابتعاد المواطن عن مواطنته في الدولة، وتماسك الجماعات من حول المواطنة ودور مؤسسات الدولة ولجوؤه إلى جهات أخرى دينية أو فئوية أو جهوية.. يعني ضرب وجود الدولة والارتداد إلى ما قبل قيامها.

الاختراق الثالث هو: تحول الإكليروس المسيحي من ناحية والقائمين على التعليم الديني والدعوة عند المسلمين إلى مراكز قوى، لا حدود لها ولا سقوف داخل المجتمع، وبما يلغي ويعوق دور السلطات المختلفة من تشريعية وتنفيذية وقضائية، وعلى النحو الذي شاهدناه وذبحنا أيام كان أمثال "حسان" هم من يتدخلون لحل المشاكل!

الاختراق الرابع هو: التصعيد المستمر في حالة الاحتقان الطائفي بتحويل كل الاحتقانات الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما إلى طائفية، وبالتالي تغيب تماما أي درجة وعي سياسي وفكري تساهم في تقدم المجتمع.

الاختراق الخامس هو: المساهمة في انهيار جهاز المناعة الوطني الشامل، مما يسهل تماما إمكانيات الأصابع والفيروسات الخارجية من اللعب في الوجود المصري، ولنسمع مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية يقول في حفل توديعه من منصبه "لقد استطعنا أن نفعل- طائفيا- في مصر ما نشاء ولن يستطيع أي رئيس بعد مبارك إعادتها كما كانت"!

وإن من أوسع الثغرات وأكثرها فداحة أن يجد مواطن مصري نفسه أمام حالة تمييز ديني طائفي مقيت تحرمه مما يحظى به أخوه المواطن من دين آخر، وأن يجد المواطن المصري أن دار العبادة الخاصة به تحكمها قوانين ولوائح جائرة غير منطقية ومقرفة، وبصراحة فلقد تعبنا من سوق الأمثلة التراثية، منذ صلى الفاروق عمر بن الخطاب خارج كنيسة القيامة، وقال عبارته الشهيرة، ومن قبله وصية الرسول- صلى الله عليه وآله- بقبط مصر خيرا، والتساؤل: أليس من الخير أن نترك للناس حق عبادتهم لله ابتداء من طريقة الصلاة وانتهاء بشكل بيت العبادة، خاصة إذا كان شكله- أي تصميمه- مرتبطا بالطقوس نفسها؟!

وتعالوا نتساءل: ما الذي يضير الأمة من وضع قانون موحد ينظم بناء كل دور العبادة للدين السماوي بشرائعه المختلفة، وللأديان الأخرى، إذ إن مصر ليست أقل نضجا من الإمارات التي فيها حرية العبادة وبناء دور العبادة لكل جماعة تقيم هناك، بمن في ذلك البوذيون والهندوس وغيرهما؟

ما الذي يضيرني كمصري من أن تبنى كنيسة جديدة أو يعاد بناء كنيسة ضاقت أو تهدمت أو تجديد مرافقها وهلم جرا.. أم هي الخطيئة الكبرى التي كانت أول معصية.. خطيئة التكبر.. "أنا أفضل منه" التي قالها إبليس في مواجهة الأمر الإلهي بالسجود لآدم؟!

وأين كنت أنا كمسلم عندما كانت علامة مجيء الوحي للرسول هي أن يسمع صلصلة جرس، وأن يكون أول من عرف أنه- وهو صبي- سيكون نبي أمته هو راهب مسيحي يسكن أطراف بادية الشام اسمه "بحيرا"، وأن يحدث عندما دخل- صلى الله عليه وآله- الكعبة عند الفتح فيفرد عباءته أو بردته على "صورة أو تمثال للعذراء" والمسيحي ويقول ما معناه: "إلا هذين اتركوهما لي"!

ما هذه العنجهية الكاذبة التي تنم عن أمراض نفسية اجتماعية تسمى عند العلماء "أمراض الأغلبية" والمصيبة أنها عنجهية فارغة من أي مضمون للتفوق وعلى أي مستوى!

اتركوا مصر عامرة بكنائسها ومساجدها ومعابدها، وافتحوا الباب لكل من يريد ما من شأنه استقامة السلوك وسلامة القصد ومحبة خلق الله وخدمتهم، لأن وجود المسيحيين تحديدا في مصر إرادة إلهية.. ولمن يريد تفصيلا فالعبد لله جاهز!
                        
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 24 أغسطس 2016.

Thursday 18 August 2016

Stop nonsense talk




They keep spreading corrupted standards… I here mean muslim brotherhood and those claiming to monopolize religion… and guess what?... Accompanying them is a bunch of liberals, Arab nationalists and Marxists…

The more days pass towards the presidential elections along with the fast pace of performance in fighting corruption, reviving the nation, clarity and transparency by declaring how serious the problems facing the country are and how bitter and difficult the cure is, the more the insistence on corrupting evaluation standards… and like they did when they exchanged “right and wrong” with “halal and haram”, they used “civilian and military” instead of “efficient and inefficient”…

However, we find that those who keep spreading such corrupted standards consider themselves crème de la crème… you can even discover that some of them is working hard to personify the caricaturistic character of “Abdo Mushtaq[1]”depicted by the late genius caricaturist Mustafa Hussain…

We also knew through media that some of them have started choosing his election campaign team… and we could guess through journalistic articles those who aspire to join… and so they wrote about the black 60 years; meaning the time span since July 23, 1952 revolution and Gamal Abdel-Nasser until our present time… we also read recently about those who call for a civilian presidential council…

Despite I don’t hide my support for president Sisi since the moment he was elected – and indeed it was an enthusiastic support associated with clashes here and there, especially that his opponent was supposed to belong to the same political ideology I believe in – I’m not about to talk about a second term for the man… also, I’m not willing to join any group flattering him.

What I’m about to do is to stand firm against those who keep stabbing our nation’s body in the core by spreading such corrupted standards and work hard to regain our balanced right standards… meaning to use “efficient and inefficient”, “right and wrong”, “legal and illegal”, “constitutional and unconstitutional” and “systematic, logical and scientific” and not haphazardly-chosen misleading so-called standards… I say it clear out loud.

And so, whether the current president nominated himself for a second presidential term or not, the only standard we should apply upon him or any other possible candidate is whether he is “efficient or inefficient”… in this regard, we have to clearly mention that efficiency standards are multiple regarding level and type… such thing is already well known by experts in the field.

However, in addition to those standards, I’d like to distinguish here between retail business calculations and history estimations… as the first may be done by the grocer or shopkeeper himself or by using a calculator or computer like the case in Hypermarkets; they mention the quantity, type, price, what is in the stores, on shelves…etc.

While the latter; history estimations, is closely connected to geography estimations in the first place which is in turn natural; “terrains, climate, weather…etc”, then economic, demographic, political and strategic… it’s where we find a butterfly fluttering its tiny fragile wing in the Amazon forests… and then these waves of fluttering governed by other factors like wind, marine currents…etc. arrive at the other side of the ocean in a massive tsunami…

In the same way, the law of quantitative accumulation and qualitative change applies on the movement of history… and so, discovering corruption in supplying a quantity of wheat of a small peasant’s field in Gharbia or Menofiya governorates led to our current time tsunami of fighting corruption in the whole system of supplying wheat…

We have another example we all lived, it all started when president Sisi called upon Egyptians to contribute to the cost of the Suez Canal projects; meaning the new canal along with the projects around and beneath it… and again, a tsunami of donations hit until they got the money needed shortly after they opened for contributions and had to close because they got more than enough.

According to retail calculations, you will find others talking and pitying the losses of the project… and that it was a hasty decision to have this canal… however, according to history estimations, you will notice the high spirit of our national will and how it turned from chaos, lack of confidence and loss of hope into an integrated symphony of work… as millions put their money in this project… thousands went there to dig, remove digging outcome and make all scientific measurements for the project… also, soldiers were protecting the site which borders terrorism spot in Sinai… in addition to achieving many other goals connected to the project on the domestic, regional and international levels… these are history estimations… not retail calculations.

If I went on analyzing what took place in the last two years as per history estimations, some of those “Abdo Mushtaq”-character personifying people along with their allying groups would think it’s a deliberate preparation process to talk about a second term for president Sisi… so again, I go back to the main point of our article to confirm that efficiency, commitment to constitution and law and fighting corruption are the standards we should use… for despotism is wrong… corruption is wrong… negligence is wrong… looting public money is wrong… monopolism is wrong… savage capitalism is wrong… all these should be the standards used to choose an official… starting from the president of the republic and to the smallest-in-rank employee.

Humorously speaking, I can swear that some of those “civilian-type” people are nothing but an elegant façade hiding behind soft-wording speech, stylish dressing, foreign languages-speaking accent, a la mode suit, shining shoes… such character introduces himself or is introduced as the genius of his age and one of a kind in his generation… but after a few minutes of listening to him attentively as you should be due to the before-mentioned description, you start looking for a way out to flee… either by asking about the WC or makeing up a story to hurry away from him… This is in case you don’t want to do what the young man did to Toscanini, the music conductor… as the young man sat listening and following all etiquette rules until he saw the artist doing and saying what no one would like… then, the young man said: “as to Toscanini, the artist, I bow and take off my hat… but as to Toscanini, the human, I bow and take off my shoes”!

So please, stop stabbing our country in the heart and soul when we differentiate between citizens using the “civilian and military” thing… if anyone sees himself efficient enough and there is a consensus over him, will he please show himself up away from nonsense talk.

Translated into English by: Dalia Elnaggar



This article was published in Al Ahram newspaper on August 18, 2016.

To see the original article, go to:

#alahram #ahmed_elgammal




[1] A caricaturistic character represents a man who wants dearly to be a minister or occupy a high profile job in the government and who boasts qualifications he doesn’t possess

من غير "حفلطة"




يواصلون تعميم فساد المعايير.. والضمير هنا عائد على حزمة تضم الإخوان والزاعمين بالمرجعية الدينية، ومعهم ـ ويا للعجب ـ خلطة من الليبراليين والقوميين والماركسيين.. وكلما ازداد تسارع مضي الأيام باتجاه الانتخابات الرئاسية ومعه ازدياد تسارع إيقاعات الأداء في محاربة الفساد وفي استنهاض همة الأمة وفي الوضوح والشفافية بإعلان حجم وعمق المشاكل، ثم مدى مرارة وصعوبة الدواء، ازداد بالتالي الإصرار على فساد معايير تقييم الأمور، وكما وضعوا "الحلال والحرام" بدلا عن "الصح والخطأ" وضعوا "مدني وعسكري" بدلا عن "كفء وعديم الكفاءة".. ثم ويا للعجب ثانية نجد أن من يمعن في تعميم وشيوع هذا الفساد هم من يعتبرون أنفسهم "نخبة النخبة"، وفيهم من يسعى الآن لتجسيد الشخصية الكاريكاتورية التي أبدعها العبقري الراحل مصطفى حسين.. شخصية "عبده مشتاق"، وعرفنا عبر الإعلام أن بعضهم بدأ في تشكيل فريقه الانتخابي، ثم استشففنا عبر المقالات الصحفية من الذي يراوده الأمل فكتب عن الستين عاما السوداء "أي ثورة يوليو وعبد الناصر وإلى الآن"، ومؤخرا قرأنا عن الذي يدعو لمجلس رئاسي مدني!

ورغم أنني لا أخفي تأييدي لعبد الفتاح السيسي منذ بداية ترشحه، وقد كان تأييدا ساخنا مشفوعا باشتباكات من هنا ومن هناك، خاصة أن المنافس كان من الاتجاه السياسي نفسه الذي أصنف فيه، إلا أنني لا أخفي أيضا أنني لست بصدد الكلام عن فترة رئاسية ثانية للرجل، ولست بصدد الانخراط في جوقة تضم من يجعلون المرء يفر منهم فراره من الطاعون!

وما أنا بصدده هو الوقوف بحسم وحزم ضد من لا يزالون يعمقون تمزيق الجسد الوطني وطعن وجدانه بهذه المعايير الفاسدة، وأن نعمل على إعادة الاعتبار لما هو صحيح.. أي أن نعود إلى "كفء وعديم الكفاءة" و"صح وغلط" و"قانوني ومخالف للقانون" و"دستوري وغير دستوري" ثم "منهجي ومنطقي وعلمي" وليس "استهبال على شيطنة على هزار".. هكذا وبالبلدي الفصيح!

ولذلك سواء رشح الرئيس الحالي نفسه لفترة رئاسية ثانية أم لم يرشح، فإن المعيار الذي يجب أن نعتمده تجاهه وتجاه أي مرشح محتمل "هو كفء أم غير كفء".. وفي هذا الصدد لابد من لفت النظر وبقوة إلى أن قياسات الكفاءة قياسات متعددة في المستوى وفي النوع، ويعرف ذلك أهل الذكر من المتخصصين، غير أنني إضافة لتلك القياسات أود أن أميز بين حسابات البقالة بالجملة وبالقطاعي، وبين حسابات التاريخ.. فالأولى قد يجريها البقال نفسه عندما كان يكتب ويسجل بالقلم "الكوبيا" بعد أن يبلله بطرف لسانه على الورق الداكن السميك المخصص للقراطيس، أو بالآلة الحاسبة والكمبيوتر مثلما هو الحال في الهايبر ماركت وزملائه، كم كمية وكم صنفا دخل وبيع والسعر والغلة وماذا تبقى في المخازن وعلى الرفوف وإلى آخره، أما الثانية أي حسابات التاريخ فإنها في البداية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحسابات الجغرافيا التي هي بدورها طبيعية "تضاريس ـ مناخ ـ طقس وغيره"، ثم اقتصادية وسكانية، وسياسية واستراتيجية، وفيها قد نجد فراشة رفرفت بجناحها الضعيف الضئيل في غابات الأمازون، وانتقلت موجات الرفرفة محكومة بعوامل أخرى كالرياح والتيارات البحرية وخلافه لتصل إلى الجانب الآخر من المحيط وقد تحولت إلى تسونامي رهيب!.. وهكذا ودونما مبالغة يعمل قانون التراكم الكمي ومعه التغير الكيفي عمله في حركة التاريخ، لنجد مثلا أن اكتشاف العبث في كمية توريد قمح ناتج عن حقل فلاح صغير في الغربية أو المنوفية، هو ما أدى إلى تسونامي التصدي للفساد في منظومة توريد القمح بأكملها.. ثم إن لدنيا نموذجا آخر عشناه وقد بدأ بكلمة مناشدة للمصريين أن يساهموا في تكاليف مشروعات قناة السويس، أي المجرى الجديد وما حوله وما تحته من مشاريع، وتحولت الكلمة إلى تسونامي تبرعات عجلت بقفل باب تلقي المال لأن المطلوب قد تحقق وزيادة!

وبحسابات البقالة ستجد من يتكلم ويتشنهف على الخسارة التي حققها المشروع، وعلى التسرع في القرار وهلم جرا، أما حسابات التاريخ فستتوقف أول ما تتوقف عند حالة استنهاض الهمة الوطنية لنقلها من حضيض الفوضى وغياب الثقة وفقد الأمل إلى سيمفونية عمل متكاملة.. فالملايين أخرجت من جيوبها واقتطعت من أقواتها، والآلاف اتجهت لتحفر وتنقل نواتج الحفر وتجري كل القياسات العلمية، وأيضا كان الجنود يحمون العمل وهو ملاصق تماما لبؤرة الإرهاب في سيناء.. وغير ذلك كثير على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي ارتبط بالمشروع.. هذه هي حسابات التاريخ..

ولو أنني استطردت في قراءة ما جرى عبر السنتين الفائتتين بمعايير حسابات التاريخ فسيظن المشتاقون وجوقاتهم أنها عملية تمهيد متعمدة للحديث عن رئاسة ثانية للرئيس السيسي، ولذلك أعود إلى أصل الموضوع لأؤكد أن معيار الكفاءة والالتزام بالدستور والقانون ومقاومة الخطأ بالمعنى الشامل، حيث الاستبداد خطأ والفساد خطأ والإهمال خطأ ونهب المال العام خطأ والاحتكار خطأ وطغيان رأس المال وتوحشه خطأ.. تكون كلها الأساس لاختيار المسؤول ابتداء من رئيس الجمهورية ونازل!

ثم إنني ومن باب الطرافة التي أتمنى ألا تكون استظرافا في غير موضعه أقسم أن بعض عتاة "المدني" لا يعدون أن يكونوا شاسيها معتبرا عني صاحبه برشاقته ونعومته وأناقته واعوجاج لسانه وتزرير جاكتته ولمعة جزمته، ويقدم نفسه أو يقدمونه باعتباره فلتة زمانه وعبقري أوانه.. وإذا بك بعد دقائق من الإنصات إليه باهتمام يليق أولا بكل ما سبق، ثم تبدأ حضرتك في البحث عن طريقة للفرار، إما بأن تسأل عن بيت الراحة أو تصطنع أنك رأيت عزيزا عليك قادما فهرولت لاستقباله، هذا إذا أردت ألا تفعل ما فعله الشاب مع توسكانيني الفنان، إذ جلس الشاب منصتا ومراعيا لكل آداب الجلوس فإذا بالفنان يفعل ويقول ما لا يرضي أحدا وعندها قال الشاب: "بالنسبة لتوسكانيني الفنان فإنني أنحني وأخلع قبعتي.. أما بالنسبة لتوسكانيني الإنسان فإنني أنحني وأخلع حذائي"!

كفى تمزيقا للوطن جسدا وقلبا ووجدانا بحكاية مدني وعسكري.. ومن عنده كفاءة ويرضى عنه أصحاب الأصوات فليتفضل من غير حفلطة.
                        

نشرت في جريدة الأهرم بتاريخ 18 أغسطس 2016.