Wednesday 20 July 2016

المصري خاتمة.. حول البديل




أختتم الجزء الأول من الحوار الثري الذي دار على صفحة "المصري اليوم" ومعها البريد الإلكتروني والتواصل الاجتماعي حول البديل الذي يمكن أن يملأ الفراغ الناجم عن رفض وجود التيار والتنظيمات المستندة لما يزعمون أنه مرجعية دينية إسلامية، والجزء الثاني الذي أتصوره سيكون نقل الحوار من مرحلة إبداء الرأي والانصراف إلى مرحلة التمهيد لعمل جاد يكون تحضيرا لما أتصور أنه لقاء الساعين للفعل الإيجابي في الساحة الوطنية، وربما يكون الجزء الثالث هو تخطيط.. وتقسيم عمل.. وتكامل أدوار وخبرات وتواصل مع من بيدهم المساعدة على التنفيذ والتوجه بما لدينا لقطاعات نتعشم أنها ستكون خمائر التغيير المنشود.

لقد فتحت الباب أمام كل وجهات النظر من داخل مصر ومن خارجها، ولم أنشر هنا بعض ما جاء على البريد الإلكتروني والفيس بوك وفيه خروج على المألوف من آداب مرعية للحوار- أي حوار- وفيه أيضا سباب وإسفاف، وهذا بحد ذاته يعد نقلة نوعية في مسار العبد لله، الذي لم يكن يفلت فرصة للاشتباك وبكل الأسلحة والعبارات!

وكنت قد وعدت أنني سأشارك في النهاية بوجهة نظري حول البديل، وأذكر أولا لصاحب الفضل فضله، وهو الأستاذ غسان طهبوب، المفكر العربي والإعلامي المتميز الذي بادر بطرح السؤال الذي دار من حوله الحوار.

لقد لاحظت أن البعض فهم أن البديل الذي نتحدث عنه هو ما يتعين عمله في التعليم والثقافة وغيرهما من مجالات النشاط الإنساني، وفهم آخرون أن المقصود بالفراغ هو غياب أشخاص وتنظيمات الإخوان ومن شاكلهم فيما هم موجودون منتشرون وفاعلون في أكثر من مجال وموقع، وذهب آخرون إلى أن بديل "النزوع للمرجعيات الدينية" هو التوجه نحو القومية، ونحو العلمانية، ففيهما الحل الجذري لكل المشاكل، وكلاهما علاج لكل الأخطاء!

ولست بصدد التعقيب على كل وجهة نظر تلقيتها، فهذا يجعل الموضوع بلا نهاية على مدار أسابيع، حتى لو نشرنا المادة يوميا، وإنما أجدني بصدد ما أعتقد أنه البديل.

وبداية فإن البديل الذي أظن أنه المقصود هو الإجابة عن سؤال محوري: كيف نسعى- باختلاف مشاربنا الفكرية وتوجهاتنا السياسية ومواقفنا الأيديولوجية وأوضاعنا الاقتصادية الاجتماعية- إلى أن جد الأمة تعليما وصحة ومعيشة وإلى آخر كل المجالات- تجدها- لائقة بمصر وباستحقاقها لكي تكون متقدمة قوية فاعلة شأن بقية الأمم الحية المتقدمة في الشمال والشرق والغرب.. بل والجنوب أيضا؟! ثم كيف تكون لمصر حياة سياسية محترمة فيها أحزاب فاعلة مؤثرة لأنها تعبير عن قوى اجتماعية أو عن أفكار مركزية، وكيف تكون لمصر شخصيتها الحضارية والثقافية المتكاملة الشاملة الجامعة لكل مقوماتها التاريخية والجغرافية والوجدانية، وكيف تعمل مصر على توظيف موقعها وموضعها ومكانتها في إفريقيا وفي المنظومة العربية والأخرى العالم ثالثية والأخيرة الدولية توظيفا سليما يتناسب مع حقائق وجودها الجغرافي والجغرافي السياسي والحضاري.. إلى آخره دون أن يكون سعيها لدورها المتعاظم المؤثر سعيا لحتفها بظلفها مثلما حدث في مراحل سابقة؟!

أظن أن لا أحد يختلف على ما سبق، وعلى ذلك تصبح القضية ليست من أنت أو من أنا فكريا وعقائديا وسياسيا وإنما تكون القضية هي دوران الجميع في فلك واحد تتباعد فيه المسافة أو تقصر عن المركز، ولكن الكل يدور حيث المركز هو مصر.. ومصر ليست كلمة غيبية عامة مطلقة.. وإنما هي هذه الدولة التي لها إقليم بري وبحري وجوي ولها شعب وفيها سلطة موزعة بين تشريعية وقضائية وتنفيذية.. وهي هذه الدولة التي سبق وجودها معظم- إن لم يكن كل- "الدول" ومرت عليها مراحل تاريخية متعددة وطويلة وتعرض الخط البياني لوجودها ودورها للصعود والهبوط، وكانت الكارثة دوما هي أن يتم قطع وبتر اتصال هذا السياق التاريخي الطويل.

ولقد ثبت أن تماسك الكل الوطني وسعيه للعمل المشترك يتجلى ويتضاعف في مراحل التحول من "الهبوط والاضمحلال" إلى "الصعود والقوة"، ولذلك يصبح "الميكانيزم" أو الطريقة للوصول إلى تماسك الكل الوطني ودورانه في فلك المركز هو- فيما أعتقد- عبارة موجزة "التمسك بالدولة المصرية تمسكا لا يحتمل تفريطا ولا مزاحا من أي نوع ودرجة، وفعل كل ما من شأنه عظمة هذه الدولة".

.. هدف واضح محدد: وجود مصر المتماسكة القوية المتوازنة المؤهلة لأداء دورها"! يعني حضرتك ليبرالي.. أو حضرتك علماني.. أو حضرتك قومي أو حضرتك إسلامي أو حضرتك شوفيني مصري لا تعترف بأي اتجاه ولا أيديولوجية.. أهلا وسهلا، وما أفهمه هو أن حضرتك لا تمانع في أن تسعى مع الجميع من أجل تعليم مصري متميز ومتقدم ومثلما التعليم يكون كل مجال! لأن حضرتك، ربما تكون معي في أن التقدم العلمي والتقني في العالم الآن وضع الوصفات العلمية والتقنية المناسبة لتحقيق هذه الأهداف، مثلما هو بناء بناية ناطحة ما فوق السحاب.. تكون أبحاث التربة وأبحاث خلطة مواد الأساسات وغيرهما إلى آخر نقطة في الناطحة أمورا معروقة ولها مواصفات وينفذها ويشرف عليها خبراء من البشر وبصرف النظر عن الخلفية الفكرية والسياسية والاعتقاد الديني أو اللا ديني لهم!

هل يعني ذلك أن نصب المجتمع في قالب واحد دون أي اختلاف؟ والإجابة هي لا.. وبالثلث. فالاختلاف واجب بل وربما حتمي، ولكن مجاله فيما أعتقد هو على مدى التجويد في المهمة، وعلى ضمان أفضل النتائج في جداول زمنية محددة!

وفي ظني أن أول خطوة هي أن يلتئم شمل بعضنا لهدف محدد هو دراسة ما جرى في مصر وللمصريين وأدى إلى نقلهم نقلة فاجعة من مجتمع يجتمع على قلب رجل واحد لمواجهة العدو ولتبين أسباب وآثار هزيمة 1967، وكان لهم ما أرادوا بحربي الاستنزاف وأكتوبر، ثم "إذ فجأة" يصبح الأمر مختلفا.. تفرق ويأس ونهب وسلب وإثراء غير مشروع وضياع للإرادة الوطنية ونزوح جماعي للهجرة في الإقليم والعالم ومنظومات قيم معوقة للنمو والتنمية ومكرسة للخلاص الفردي والصعود على جماجم ولحم الوطن!

ثم يلتئم شمل بعضنا الآخر لدراسة أبعاد فشل القوى السياسية والحزبية، واضمحلال التيارات السياسية اليسارية والليبرالية لحساب صعود المد الديني، ومقدمات ونتائج ثورتي يناير ويونيو!

ثم يصب ذلك كله في إنجاز الإجابة عن كيف تكون الدولة المصرية هي محور الارتكاز ومركز الدوران، وكيف ننجز ما نريده في كل المجالات، وكيف لا نسقط مرة ثانية مثلما سقطنا في هوة المرحلة الانتقالية من نصر 1973 إلى مستنقع النهب والاستبداد وما ترتب عليه.

أنتهي إلى دعوة من يريد أن يساهم في الخطوة الأولى حول ماذا جرى إلى أن نتواصل.
                      
نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 20 يوليو 2016.

No comments:

Post a Comment