Thursday 31 December 2015

تحية للأهرام في عيده


 
شعار جريدة الأهرام

يكتبون أو يتكلمون مستخدمين صيغة المؤنث أو المذكر، ولا يتوقف أحد عند الفرق بينهما، طالما الكتابة عن الأهرام الصحيفة أو المؤسسة، وأيضًا الجورنال والصرح والتاريخ والدور، وعند مرور ما يقرب من قرن ونصف القرن على كائن ما ويبقى حيا فاعلا مؤثرا لا ينتقص من فاعليته وتأثيره حركة خطه البياني بين قمم صاعدة وقيعان هابطة، فإننا نجد أنفسنا ملتزمين بالتأمل والرصد والتحليل.

لنا أن نتأمل ونرصد الارتباط العضوي الوثيق بين "الفرد" على رأس الأهرام إدارة وتحريرا وبين حركة ذلك الخط البياني، وهذا ليس قدحا في حق شخص بعينه، ولا تقييما لقدراته الفكرية والمهنية، وإنما مفتاح لتحليل مضامين حقب التاريخ السياسي والفكري والثقافي، وأيضا الاجتماعي المصري، وقد نجد ما يجوز أن نطلق عليه "الفرد التاريخي" أو "الكاريزما" بمعنى أو آخر، أو نجد ما يجب أن نعفيه من سياق التحليل، لأن الحالة في المبتدأ والمنتهى تستحق اعتماد قاعدة "إن الله حليم ستار"، والأخرى "لكل مجتهد نصيب إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران".. يعني مأجور.. مأجور.. بالثواب وليس بمعنى آخر!!

عن نفسي فتحت عيني على أبي يعود من عمله مدرسا ووكيلا وناظرا وكلتا يديه مشغولتان، ويتغير ما بإحدى يديه بين يوم وآخر، أما اليد الأخرى فما تمسكه لا يتغير عبر عشرات السنين.. إذ كان يمسك الأهرام مطويا، وقد يصيب أصابعه آثار الأحبار، التي تزول بالوضوء لصلاة الفرض! وكثيرا ما كان يغفو والجريدة على صدره وبين أطراف أصابعه ويا ويله من يحاول أن يسحبها بهدوء ليقرأها أو ليرتاح الوالد في غفوته!.. ثم تكون الواقعة حالكة إذا تصادف وسأل عن أهرام يوم سابق، ويتبين أنه تم التصرف فيه بالطريقة الشعبية التقليدية مفروشا فوق الطبلية أو معجونا لمسح الزجاج!! لا مؤاخذة! وعبر العقود ارتبط الوجدان المصري، وخاصة الفئات الاجتماعية المعنية برصد ومعرفة ما يجري في "البلد"، والراغبة في جرعة معرفية ثقافية غير معقدة ولا مقعرة ـــــ ارتبط ـــــ بالأهرام وخاصة في مراحل صعود الخط البياني وثباته في القمة دهرا إلى أن أصابه ما يصيب كل الظواهر الإنسانية الاجتماعية من علامات الاضمحلال والضعف.. وأزعم أنه ظل في الحالين بلغة أهلنا "عتقى"، حيث يكون "الدهن في العتاقي"، وبقي غيره يتحرك في المسافة بين "الأكلات السريعة"، حيث تغطي النكهات الحريفة ومحسنات الطعم على رداءة الصنف، وبين الصنف الجيد لكنه مسلوق!!.. وآسف للتشبيهات.

ثم إن الأهرام في مرة من مرات قمم خطه البياني، رغم أنها قمم تختلف في مضمونها وأهميتها، وصل إلى وضع كان البعض ومازال وأظنه سيستمر يرجعه إلى علاقة خاصة فكرية وإنسانية وسياسية بين الفرد التاريخي الذي يرأس إدارته وتحريره، وبين "الكاريزما"، الذي كان يرأس البلد وترتبط به شعوب في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وأعني بالوضع ما كان عليه الأهرام المؤسسة. إذ حدث تحول نوعي في الإصدار اليومي بعدما رأت مصر نفسها بتنوعها على صفحاته.. وهو تنوع مختلف المجالات.. فالقارئ المعني بالخبر والقصة الإخبارية والتقرير والتحليل والتحقيق والحوار يجد بغيته.. وذو الميول الإسلامية والآخر ذو النزوع العلماني وغيرهما التقدمي الاشتراكي يجد ما يقرأه رصينا بأقلام رفيعة القدر سامقة الهامة.. وهكذا الحال فيمن يهتم فقط بالرياضة، ومن لا يريد وجعا لدماغه يجد بغيته في مادة صحفية، كثيرا ما احتلت الصفحة الأخيرة.. وحتى غاوي الأحزان فلديه صفحة الوفيات.. أشهر صفحة كان يقال دوما إنها أكثر صدقا من غيرها إلى أن دخل النزوع البشري نحو التميز فصرنا نقرأ فيها من يذكر بالنعي الأجداد الراحلين ليعلن كم باشا وكم بك وكم رتبة عسكرية وكم وزير، كانوا في السلسال، بل إن البعض لا يتورع عن الإعلان عن الحسب والنسب الشريف لآل البيت والنبي عليه السلام!

ومع الإصدار اليومي آنذاك طالع المصريون إصدارات أستطيع أن أصفها بالجبارة كالسياسة الدولية والطليعة، اللتين لم يطاوعني كياني في أية مرة أردت أن أتخلص فيها من أعدادهما المرصوصة أعلى "دواليب" المكتبة بل يحدث عشرات المرات أن تمتد الأيادي إلى "الطليعة" خصيصا لقراءة ما فيها، حيث تجليات العقول التقدمية وفي مقدمتها أبوسيف يوسف!

وعندما احتدم الصراع ضد العدو الصهيوني كان الأهرام حاضرا في قلب الصراع.. وأقصد بالقلب ليس ميدان القتال على الجبهة وإنما صميم الجانب الحضاري والثقافي والفكري والمعلوماتي، ووجدنا مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية قد تأسس واختير له مجموعة من أكفأ شباب مصر، الذين لا يظهرون في الاحتفالات ولا يتاجرون أو يزايدون بما أدوه.. وأذكر منهم أو في مقدمتهم حاتم صادق وسميح صادق – ليسا قريبين – وجميل مطر وعبد الوهاب المسيري وأحمد عفيفي وغيرهم ممن لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم، ومع هؤلاء تم استدعاء كفاءات شابة في العديد من المجالات، وخاصة تلك التي تتصل بالصراع العربي ــــ الصهيوني، وهنا جسد المركز ردما للفجوة بين الصحافة السيارة وبين الجهد الأكاديمي، وبين صانع القرار ومتخذه وبين التحليل العلمي المعتمد على قاعدة معلومات متجددة كل يوم بل كل لحظة.. ولم يعد سرا أن المركز كان يسبق أجهزة الدولة المعنية في تقديم التقارير العلمية والمعلوماتية للرئيس جمال عبد الناصر، وكان ذلك ضمن خطة إعادة بناء القدرة المصرية والانتقال بمفهوم القدرة من امتلاك الأسلحة وإعداد الجيوش فقط، إلى المجال الأوسع للمفهوم الذي يشمل جوانب عديدة على رأسها المعلومات والتحليل العلمي والتماسك الاجتماعي والثقافي!

هكذا كان الأهرام في إحدى ذرا خطه البياني يضم شيوخ الفكر والثقافة كالحكيم ومحفوظ ومؤنس وعائشة عبد الرحمن ولويس عوض وفوزي وطاهر، ويفسح المجال للشباب في الإصدار اليومي وفي مركز الدراسات الذي اتسع عمله بعد ذلك، وكان الانتساب إليه نيشانا يتباهى به صاحبه!

وهكذا كان الأهرام شبيها بالوطن الذي يصدر لأبنائه، مع حرص على أن الالتزام مختلف عن الإلزام، وأن التعبير عن التنوع الفكري والثقافي والسياسي في الوطن لا يتصادم مع الإصرار على أن يكون الأهرام قاطرة تشد التكوين كله إلى الأمام بالتنوير والحداثة.. وكان كما وصفه الفرد التاريخي محمد حسنين هيكل "إطلالة مصر على القرن الحادي والعشرين".. ترى ماذا تبقى في الأهرام، وكلنا نلاحظ الجهد الجهيد الذي تبذله إدارة تحريره في اللحظة الراهنة، تحية للأهرام في عيده الأربعين بعد المائة، وتحية لكل جهد ساهم في أن يبقى الأهرام معينا لا ينضب.


 نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 31 ديسمبر 2015

Wednesday 30 December 2015

Scientific origin of ugliness phenomenon





I received many notes and comments in response to last week’s article about phenomenon of ugliness and ribaldry prevailing in some satellite channels; most significant of those comments was what Mr. Ahmed Lutfi, senior professor of aviation physics and ex-chancellor of the British Aircraft Corporation, wrote.

Before presenting the message he wrote, I’d like first to praise his wealth of information and what I learn from him, for I receive fresh authentic information in a literary-scientific style we were used to long time ago when we were school-age children. I’d like also to affirm that I do appreciate all comments I receive – whether agreeing or disagreeing to my opinions –and consider this a positive experience I do cherish like I value writing to Almasry alyoum newspaper which – in my opinion – still plays a significant role in forming the public opinion and enlightening it through dialogue running between its writers and editors on one side and readers on the other side.

Here is what he wrote:

Good evening…
First of all, happy new year and many happy returns on the occasion of celebrating Prophet Muhammed’s birthday which happened to take place this year along with that celebrating Prophet Jesus’ birthday, Peace be upon both of them.
Here we are bidding a year farewell and welcoming a new one hopefully wishing to be better than the past one praying for God to fulfill our wish.
Regarding your last article titled “ugliness here… deception there” and what you discussed in the first issue, I’d like to say I have both a comment and an illustration. As to the phenomenon of ugliness and ribaldry that has dominated some satellite channels and currently running and recurring on some media anchors’ tongues, and the axiom you made clear that generalization in making judgments and taking stances is a wrong deed that may be considered to be a sin, as you literally said in your article last week, is completely true.
Actually sir, I believe we have to adopt another more general and comprehensive angle to take a look at the whole scene. Media – surely you know better about what is happening in this field – is a mirror reflecting the society with all its stumbling events and incidents. Those responsible and working in this field in addition to those funding them – whether businessmen owning satellite channels or advertising agencies – are part of this society; they live in it and work according to its ruling laws and common customs. It’s no surprise then when we read, hear, and watch all these ribaldry and obscenity that are odd to traditional ethics and contradicting common values.
Well… I will go a little bit far away from this controversial issue and tell you about the phenomenon of ribaldry that invaded and is still dominating our Egyptian society like an epidemic disease. Back to the roots of this phenomenon and its historical and medical scientific origins, it’s known as Tourette Syndrome. Symptoms of this disease appear in a chronic disorder in movement characterized by multiple vocal or physical jerks coming from the patient himself. Here, the patient loses all control over his movements and words which most of the time are obscene and abusive ones. It’s no doubt ribaldry has many forms and styles. For example, verbal ribaldry is one kind of those styles however it’s not the only one as there are other behaviors that are ribald to say the least starting by interrupting talk and not ending by attacking the speaker, ridiculing his words and mocking him, not to mention the comments you read on others’ opinions on social media which has become in certain aspects a platform to exchange verbal abuse and insults. That makes you feel those ribald vocals have different genes holding ribaldry chromosomes more than any other genetic qualities.

Let me tell you more about this known pathological condition known as Tourette syndrome. In 1884, a French physician named Gilles de la Tourette had diagnosed nine patients as having a bizarre genetic disease whose symptoms were represented by tic disorder of muscular spasms and very obscene insults. Dr. Tourette had diagnosed Marquis de Dampierre, the matronly old Marquise, with this disease as she used to make involuntary movements associated with sudden vocalizations and outbursts of obscenities. She had had this disease since she was seven. Actually, there are other cases prior to diagnosing this disease; as a French nobleman – unfortunately my poor memory cannot help me remember his name right now – used to be hand-tied behind his back for he used to make obscene remarks using his finger in the presence of King Louis XIV (1638 – 1715); meaning the man was afflicted with this disorder before it was even known in medicine. As to insults and obscene wording said in every occasion without need, it’s a symptom for a disease called Coprolalia. In this disease, ribald insults spontaneously come out of the patient even if he was not provoked! The same thing applies when the patient makes obscene remarks using his hand or continuously touches his genitals; which is known as Copropraxia. I believe you still remember what Morsi[1] did during his meeting with the Australian female Prime Minister. A third kind; known as Coprographia, is about obsession to write ribald words especially on walls (notice the obscene words written on pubic WCs’ walls to make sure the disease is already spread and we have a long medical history in this!) There is also obsession to display naked body before the other sex to draw their repugnance which too was a common custom at a time when women dwelling in popular alleys used to adopt as a viable means to disgrace, scandalize, and defame their enemies. A whole generation is feeding daily over this table of ribaldry; more than half the Egyptians practice daily such kind of ribaldry. Taxi drivers for example; they are very ribald and don’t hesitate to start a fight with the riding customer for a few more piasters. Hawkers with their maddening microphones are also ribald; a hawker annoys you, disturbs your sleep and doesn’t mind to verbally or physically assault you if necessary in case you tried to reproach him, although he’s supposed to earn his living out of selling his goods to you and others… see! Craftsmen are very ribald… pedestrians in the streets… Chinese-motorcycles’ riders with their loud music… even many mosque worship leaders or Imams whose religious addresses have become loaded with a lot of abusive wording. Examples are too many to count; wherever you look, you see ribaldry trending in society. Ribaldry became a synonym for revolutionary state… chaos is a translation for freedom… verbal and physical violence is the common language used in daily conversations in our Egyptian society.

In pre-civilization societies, only the strongest could survive but things changed and humanity had witnessed ages of progress and civilization and so survival became for the fittest. Unfortunately, in Egypt, survival has become for the more violent, ribald, and obscene! I do believe that nations are raised just like children. I also imagine our current situation in Egypt these days as a family man who travelled to work in order to support his family and became busy earning money to provide for the well-being of their present and guarantee their future and forgot about behaving his children, and when he came back years later, he was surprised to find his children mean and low. Unfortunately, Tourette Syndrome seems to have hit us hard! I apologize for my long comment and again happy new year.

This article was published in Almasry alyoum newspaper on December 30, 2015.

To see the Arabic article, go to:

#almasry_alyoum #ahmed_elgammal #ugliness #satellite_channels #tourette_syndrome #Egypt #Egyptian_society #obscenity #ribaldry




[1] Morsi: ex-muslim brotherhood president ousted due to mass demonstrations against his rule that swept across Egypt on June 30, 2013.

Tuesday 29 December 2015

تأصيل علمي لظاهرة القبح!




أبرز ما جاءني من تعقيبات وتعليقات على مقال الأسبوع الفائت، حول ظاهرة تفشي القبح والسفالة في بعض الفضائيات، هو ما كتبه السيد أحمد لطفي، كبير معلمي فيزياء الطيران، والمستشار السابق للشركة البريطانية للطائرات العسكرية.

وقبل أن أفسح المجال لسطوره وكلماته، أود الإشارة بالإشادة مني لما أتعلمه منه، لأنني أجد نفسي متلقيا لمعلومات جادة جديدة ولأسلوب كانوا يعلموننا في زمن التلمذة أنه "العلمي المتأدب".. ولعلي هنا أؤكد أن كل ما أتلقاه من تعقيبات وتعليقات- سواء اختلف معي أو اتفق، وأحيانا يصل الخلاف إلى حد جذري- هو ظاهرة صحية أعتز بها، اعتزازي بالكتابة بـ"المصري اليوم" التي مازال لها– من وجهة نظري– دور مهم في تكوين الرأي العام واستنارته عبر "الديالوج" بين كتابها ومحرريها وبين قارئيها.

إنني لا أريد أن "أحرق" ما كتبه السيد أحمد لطفي، ولا أريد أيضا أن أفسده دون أن أدري إذا حاولت تلخيصه أو كتابة مقدمة له.. فإلى سطوره:

مساء الخير..
بداية كل عام وأنتم بخير، فها هو مولد رسولنا الكريم في ذكراه يعانق مولد أخيه عيسى عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام، ثم ها هي سنة تلملم أوراقها وتستأذن في الرحيل مخلية العمر والزمن لسنة جديدة، نرجو من الله سبحانه وتعالى أن تكون أفضل من سابقتها وأكثر تلطفا بنا وتحننا علينا.

وعلى مقالك حول "قبح هنا.. وضلال هناك" وما أثرته في المسألة الأولى، عندي تعقيب وإضافة، فظاهرة القبح والسفالة التي باتت تسود بعض الفضائيات وتجري على ألسنة مذيعيها جريان الماء في الحلوق، والتي أكدت فيها على بديهية أن التعميم في الأحكام واتخاذ المواقف خطأ يصل أحيانا إلى حد الخطيئة! كما قلت نصا في المقال، وهو صحيح تماما.

واقع الحال يا سيدي يحتم علينا أن ننظر للمشهد من زاوية أكثر اتساعا وشمولا، فالإعلام، وأنت خير العالمين العارفين بأموره وما يجرى في أروقته، ما هو إلا مرآة للمجتمع وما يدور فيه ويحدث في جنباته، فالقائمون عليه والعاملون فيه ومن يدعمونه بالتمويل- سواء من أصحاب الفضائيات أو وكالات الإعلان- كل هؤلاء من المجتمع ويعيشون فيه، ويعملون بالحاكم من قوانينه، والسائد من أعرافه. إذن لا غرابة فيما تقرأ وتسمع وتشاهد من بذاءات وسفالات وخروج عن المألوف أخلاقيا والغالب قيميا.

طيب، سأبتعد أنا قليلا عن هذا المستنقع الشائك، وأحدثك عن "ظاهرة البذاءة"، التي غزت ومازالت تسود المجتمع المصري بشكل وبائي، وأرجعها لأصلها وخلفيتها التاريخية وأصولها العلمية الطبية، وهي ما تعرف بـ"متلازمة توريت –Tourette syndrome".

تظهر أعراض هذا المرض في صورة اضطراب مزمن في الحركة، تميزه لوازم (جمع لازمة) حركية أو صوتية تصدر من المريض نفسه، هنا يفقد المريض كل القدرة على التحكم في ما يخرجه من حركات وألفاظ هي في كثير من الأحيان ألفاظ نابية وبذيئة.

ومما لا شك فيه أن للبذاءة أشكالا وأنماطا، بذاءة القول مثلا هي أحد هذه الأنماط ولكن ليست وحدها، فهناك أيضا سلوكيات أقل ما توصف به أنها بذيئة، بداية بمقاطعة الكلام وليس انتهاء بمهاجمة المتحدث والتهكم على الحديث والسخرية من المتحدث، ناهيك عن التعليقات التي تقرؤها على آراء الآخرين في مواقع التواصل الاجتماعي والتي صارت في كثير منها، مجالا لتبادل البذاءات اللفظية والسباب. يشعرك هذا بأن لهؤلاء الأنطاع الأبذياء "جينات" مختلفة، تحمل من "كروموسومات البذاءة" بأكثر مما تحمل من صفات الوراثة.

دعني أحكي لك قليلا عن هذه المتلازمة المرضية المعروفة بمرض "توريت- Tourette syndrome". ففي العام 1884 وصف الطبيب الفرنسي "جيل دولا توريت– Gilles de la Tourette " تسعة من المرضى يعانون مرضا وراثيا غريبا، تمثلت أعراضه في متلازمة قهرية من التقلصات العضلية والسباب البذيء جدا، الدكتور "توريت" وصف هذا المرض الذي كانت الماركيزة العجوز الوقور "دي دامبريير – Marquis de Dampierre "، تعاني منه، وتأتي بحركات غريبة بعضها قبيح جدا، مع كثير من السباب، وقد بدأ المرض عندها منذ أن كانت في السابعة.

الحقيقة أن ثمة شواهد تاريخية سابقة لاكتشاف هذا المرض، فقد لوحظ أن رجلا من النبلاء الفرنسيين– لا تسعفني الذاكرة المهترئة باسمه الآن مع الأسف– كانوا يقيدون يديه خلف ظهره كي لا يأتي بحركات بذيئة بإصبعه في حضرة الملك لويس الرابع عشر– Louis XIV (1638 – 1715)، أي أنه كان مصابا بالمرض نفسه قبل أن يعرف الطب اسمه.

أما عن السباب والكلام البذيء في كل مناسبة ودون ما داعٍ، فهو عَرضٌ لمرض يعرف باسم "كوبرولاليا – Coprolalia "، وفيه تخرج البذاءات من المريض تلقائيا حتى لو لم يثر أعصابه أحد!

نفس الأمر ينطبق على ما يصدر من المريض من حركات قذرة باليد أو يلمس العضو التناسلي باستمرار، وهو ما يعرف باسم "كوبروبراكس – Copropraxia"، ولعلك لم تنس ما فعله مرسي في مقابلته مع رئيسة الاتحاد الأوروبي!

ثم هناك النوع الثالث، وهو ما يعرف باسم "كوبروجرافيا – Coprographia"، وهو الولع بكتابة البذاءات، خصوصا على الجدران (لاحظ الكتابات البذيئة على جدران دورات المياه العمومية لتتأكد أن المرض منتشر وله تاريخ طويل عندنا!). ثم هناك كذلك الولع بعرض الجسد العاري أمام الجنس الآخر لإثارة اشمئزازهم، وهو ما كان عرفا سائدا في وقت كانت فيه نسوان الحارات الشعبية تراه وسيلة فعالة للتجريس والتقريع والفضيحة.

إن جيلا بكامله يأكل يوميا من "مائدة البذاءة"! أكثر من نصف المصريين يعزفون يوميا "سيمفونية البذاءة" ببراعة لا يحسدون عليها! خذ مثلا سائقي التاكسيات، إنهم بذيئون للغاية ولا يتورعون عن مخانقة الزبون الراكب من أجل قروش زهيدة، الباعة الجائلون بمكبرات الصوت المزعجة هم أيضا بذيئون، فهو يزعجك أو يقلقك من نومك ولا مانع من أن يتطاول بالقول أو الفعل إن استلزم الأمر إن أنت حاولت أن توبخه بينما مبتغاه أن "يأكل عيشا" منك ومن جيرانك، فتأمل! أرباب الحرف والصنايعية بذيئون جدا، المشاة في الشوارع بذيئون. راكبو "الموتوسيكلات الصيني" بموسيقاهم المزعجة بذيئون، حتى الكثير من أئمة المساجد صارت خطبهم تحمل قدرا كبيرا من البذاءة. الأمثلة أكثر من أن تحصى، فأنت حيثما وليت وجهك، ستجد الأبذياء هم العنوان المتصدر للمشهد في المجتمع.

البذاءة أضحت مرادفا للحالة الثورية، والفوضى ترجمة للحرية، والعنف اللفظي والفعلي هو اللغة المعروفة للحوار اليومي والترجمة المعتمدة للحالة المصرية.

في عصور ما قبل الحضارة، كان البقاء للأقوى، تطورت الأمور ودخلت البشرية في عصور سادها التقدم والتحضر، فصار البقاء للأصلح، أما في مصر فقد صار البقاء– بكل أسف– للأعنف والأكثر سفالة وأشد بذاءة!

عندي اقتناع يرقى لليقين أن الشعوب تُربى كما الأبناء تماما. ثم إن لدي تصوراً بأن حالتنا في مصر أشبه برب أسرة ذهب ليعمل وانشغل عن تربية أبنائه بجلب المال لبحبوحة حاضرهم وضمانة مستقبلهم، ولما رجع بعد سنين، فوجئ بأن أولاده وضعاء وسفلة مع الأسف. يبدو أن متلازمة "توريت" هذه باتت تلازمنا! أطلت عليك فمعذرة. تقبل تحياتي وكل عام وأنتم بخير.


 نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 29 ديسمبر 2015

Thursday 24 December 2015

قضية الغاز "الأخيرة"



أواصل الكتابة في قضية الغاز بعد القرار التحكيمي ـــــ أيًا كانت جدواه وجديته ـــــــ بتغريم جهات مصرية، وأكرر مصرية، مبلغًا يقترب من ملياري دولار ومحاولة حكومتنا المصرية التخلص من المسألة بإلقاء تبعاتها على هيئة البترول وشركة الغاز، وقد سبق وكتبت مقالين انصبت سطور ثانيهما على مثالب التعاقدات المصرية في تصدير الغاز للأردن وإسبانيا. وأبدأ هذه المرة بالتذكير بما جرى أيام عهد الالتزام العثماني، لأن حكومتنا السنية وهي تلقي بالتبعات على هيئة البترول وشركة الغاز تصرفت وكأننا إزاء "الالتزام" العثماني، حيث يحق لوالي الغاز أو ملتزمه أن يتصرف فيه وفي عوائده كيفما شاء، ويورد للحكومة حصة بعينها، وهو الحال نفسه المتكرر في غير وزارة وجهة الآن!

كنت وعدت القارئ بأن أستكمل ما جاء في التقرير ـــــ الدراسة ــــــ الصادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان فساد تعاقدات الغاز في عصر مبارك – تحليل قانوني واقتصادي، وأدخل في الموضوع مستقيًا كل ما سيرد في المقال من معلومات وأرقام من "ذلك التقرير ــــــ الدراسة"، الذي يذهب إلى أن وفرة المعلومات فيما يتصل بقضية تصدير الغاز لإسرائيل قياسا على ندرتها فيما يتصل بالتصدير للأردن وإسبانيا إنما يعود إلى أن القضية عرضت على القضاء الإداري عام 2008 فكشف ذلك عن تفاصيل العقد وما شابه من مخالفات جسيمة، وعن بعض تفاصيل شبكات المحسوبية والفساد التي احتكرت عملية بيع الغاز واستفادت من الأسعار البخسة والشروط غير المتزنة عند التعاقد مع الطرف الإسرائيلي.

إنني أعلم أن عش الدبابير قد يستفز من هذه السطور، وأن لديه القدرة على القمع بكل الوسائل، ولكن ثقتي في أن لمصر الآن قيادة تختلف جذريا وشكلا ومضمونا عن عصر مبارك.. قيادة مصرية تقود البلاد الآن معتمدة الطهر ونظافة اليد والحرص على كل مليم أن يوضع في مكانه، وعلى مطاردة ومحاكمة كل فاسد كبير أو صغير، هي ثقة تدفعني لئلا أسكت عن الحق كالشياطين الخرساء!.. ثم إنني أؤكد إلى ما لا نهاية وقوفي إلى جانب أية اعتبارات تتصل بالأمن القومي لوطننا، وثقتي أن الأجهزة المعنية الآن قادرة على تصحيح أي خطأ وقع في فترات سابقة.

أنشئت شركة شرق المتوسط عام 2000 بالشراكة بين حسين سالم ورجل أعمال إسرائيلي يدعى موسى هيمان صاحب شركة "ميرحاف" العاملة في مجال المعاملات المالية، وقد أسند أمر تصدير الغاز بالأمر المباشر للدولة العبرية من الهيئة العامة للبترول إلى شركة شرق المتوسط.. وهنا يوضح التقرير الذي أستقي منه هذه المعلومات أن أول وجه للفساد هو المحسوبية التي حكمت بمنح شركة شرق المتوسط حق احتكار شراء الغاز المصري وبيعه لإسرائيل دون غيرها من الشركات، والتفسير الحقيقي لذلك هو الرابط القوي بين حسين سالم وبين رأس السلطة آنذاك حسني مبارك، ولا يمكن في السياق نفسه التغاضي عن أن سامح فهمي الذي أصبح بعد ذلك وزيرا للبترول قد عمل مع حسين سالم في مصفاة ميدور في نهاية التسعينيات، وبعدها تولى الوزارة في 1999 ولا يمكن أيضًا تجاهل أن إبراهيم طويلة رئيس الهيئة العامة للبترول إبان توقيع عقود التصدير مع شركة شرق المتوسط قد انتقل مباشرة بعد تقاعده عام 2005 إلى شركة شرق المتوسط نفسها ليعمل رئيسا لمجلس إدارتها بناء على تكليف من سامح فهمي!!

ونأتي إلى نقطة أبخس الأسعار التي تعني إهدارًا للمال العام وفسادًا في الوقت نفسه، حيث تم تحديد سعر برميل البترول الذي يربط به سعر الغاز بخمسة وثلاثين دولارا، حتى إذا تجاوز سعر البترول بعد ذلك هذا المبلغ، ومعلوم أن سعر البرميل ابتداء من 2008 تجاوز حاجز المائة وعشرة دولارات، وفي التعاقد إياه لم يكن هناك مجال لتحريك سعر الغاز مهما ارتفعت أسعار برميل النفط، وكانت مدة التعاقد خمسة عشر عاما!!.. بل إن الفجور تجاوز ذلك عندما تقدم حسين سالم بطلب عام 2004 لوزير البترول الذي كان موظفا عنده قبل ذلك يطلب فيه تخفيض الحد الأدنى بمقدار النصف وتمت الموافقة، وكان السعر الذي طلبه حسين سالم وأقرته الحكومة أقل عشر مرات من الأسعار التي كانت سائدة عالميا آنذاك، ولأجل مزيد من التوضيح فإن إسرائيل حصلت على كل مليون وحدة حرارية بريطانية بمبلغ خمسة وسبعين من مائة من الدولار، بينما كان الأردن يدفع دولارا وسوريا ولبنان يدفعان خمسة ونصف دولار للوحدة نفسها.. ولمزيد من معرفة حجم الفجور إليكم معلومة أخرى حول الأسعار في الفترة نفسها إذ كانت روسيا وإيران تصدران المليون وحدة حرارية بريطانية باثني عشر دولارا أمريكيا.. ثم وفي سياق الأرقام أيضا فلحضراتكم أن تعلموا أن شركة شرق المتوسط المملوكة لواحد مصري وواحد صهيوني إسرائيلي كانت تحقق حوالي ثلاثة ملايين دولار يوميا يتم توزيعها على حسين سالم وشركاه، والعجيب أن سامح فهمي دافع عن نفسه في القضية أمام النيابة بأن تصدير الغاز لإسرائيل تسأل فيه القيادة السياسية، وأشار إلى عاطف عبيد وأحمد نظيف، وأن المسألة "سيادية".

بعد ذلك يأتي التقرير إلى عقد شركة "دوراد"، وهي شركة كهرباء إسرائيلية خاصة، وقد أبرم العقد عام 2005 بين شركة شرق المتوسط إياها وبين "دوراد" لينص على مد الشركة بخمسة وسبعين من مائة من مليار متر مكعب (0.75) مليار متر مكعب لمدة سبع عشرة سنة، وفي ديسمبر 2010 وقع مالكو شركة شرق المتوسط اتفاقات جديدة مع شركات إسرائيلية تتضمن محطات تكرير البترول المحدودة (أو. بي. سي، روتيم المحدودة، وآي. سي للطاقة المحدودة)، وأعمال البحر الميت لمد إسرائيل بكميات جديدة من الغاز تتراوح بين 1.4 و2.9 مليار متر مكعب!! بعد ذلك يتخارج حسين سالم من الشركة ليحل محله أكبر حامل أسهم في شركة شرق المتوسط وهو شركة "آمبل أميريكان – إسرائيل"، لندخل مرحلة خراب أخرى إذ إنه وحسب التقرير الذي بين أيدينا فإنه خلاف للخسائر الاقتصادية فإن الاتفاق بين شركة شرق المتوسط وبين الطرف المصري يتضمن غالبا مواد تنتقص من السيادة المصرية، حيث اتجهت الشركة لمقاضاة الجانب المصري للمطالبة بتعويضات عن الانقطاعات المتكررة للغاز نتيجة الهجمات الإرهابية، وكأنه لا يكفي الشركة التي أصبحت بين شركاء إسرائيليين ما نهبته من أرباح طائلة نتيجة الأسعار البخسة لأنهم يطالبون بتعويض قدره ثمانية مليارات دولار عن تلك الانقطاعات.. يعني أيها السادة وقوع بلدنا بين شقي الرحى.. شق الإرهاب وشق الصهاينة بفضل سياسات نظام اللص – حتى الآن – بحكم المحكمة حسني مبارك.

لقد اختزلت كثيرًا من المعلومات والأرقام وبعضها يتصل بالسرية وببعض الجهات، ومرة ثانية لن نبكي على لبن مسكوب، ولكن من الجريمة ألا نتعلم الدرس وألا نمنع سكبه مرة ثانية، خاصة أنه قوت الشعب المصري.


 نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 24 ديسمبر 2015

Tuesday 22 December 2015

قبح هنا.. وضلال هناك


شارع في القاهرة لألبرتو باسيني


أكتب عن مسألتين فى مقال اليوم، وأعترف بأننى ظللت مدى طويلاً أقاوم الدخول فى المسألة الأولى، وهى ظاهرة القبح والسفالة التى باتت تسود بعض الفضائيات، وبداية أؤكد على بديهية أن التعميم فى الأحكام واتخاذ المواقف خطأ يصل أحيانا إلى الخطيئة!، ولذلك فإن حديثى عن شريحة من أصحاب الأموال لا يعنى كل الفئة أو الطبقة إن جاز التعبير.

أتحدث عن شريحة معها مال ومحيرها فقررت أن تقتنى فضائيات وتطيرها!! ومن داخل الفضائيات المقتناة توجد مقتنيات أخرى أبرزها نوع خاص من الكائنات ليس له مثيل فى أى مملكة من ممالك الكائنات، لأنه إذا كانت كلاب الحراسة شديدة الشراسة تنطلق لتمزيق ملابس ولحم من يشار إليه بصوت من صاحبها أو إيماءة منه، وأحيانا تؤدى المهمة التى تم تدريبها عليها دون صوت أو إشارة، إلا أنها فى النهاية تحمل صفات الكلاب، أى صاحبة صاحبها، ووفية، ولا تعقر عمال على بطال، وحتى فى حالة إصابتها بالسعار ــ أى داء الكلب ــ فإنها عند الإصابة تختبئ فى مكان قصى مظلم حتى لا تعقر صاحبها إلى أن يتفاقم الداء فلا تملك التمييز!
الكائنات المقتناة فى فضائيات ذلك الصنف من أصحاب الفلوس، لا أجد لها المسمى المناسب لأنها أولا تشذ عما جبل عليه الإنسان بفطرته السوية، إذ يمتلك عقلا وروحا وفؤادا وعاطفة، وقد يصقل كل ذلك بالتربية الخلقية والتعليم والثقافة! ولأنها ثانيا تضع الكلمة ــ وهى أقدس ما خلق الله ــ فى غير موضعها وتتدنى بها لدرجة تجعل من الكلام تجسيدا للقبح والسفالة والعدوان.
ولأنها ثالثا تعقر عمال على بطال وبأجر مدفوع، ولذلك فهى ــ أى الكائنات إياها ــ فى هذه النقطة لا تملك الشرف الذى تحوزه العاهرات اللائى يتلقين المال مقابل إعطائهن المتعة، ثم إنها رابعا تنشر قبحها وسفالتها فى المجتمع ليصاب بوباء القبح والسفالة، ويتعطل عقله ويتجه للانحطاط والاضمحلال، ويفقد ضرورة وجوده بين الأمم الأخرى!
إنك تنظر إلى تلك الكائنات إذا تصادف وامتلكت البال الطويل وأنت تطالع القنوات على الشاشة فتجد والعياذ بالله وجوها كالحة نضح القبح والسفالة على قسماتها، وأفواها تضخ السباب والكراهية والافتئات على الحقيقة، ونهش أعراض خلق الله وكأنها تعشق ارتكاب الخطيئة، لأن الخالق سبحانه نهى نهيا واضحا عن إشاعة الفاحشة، ففى سورة «النور» الآية (19) نقرأ: «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنت لا تعلمون».. لأن اصطياد ما يتصل بأعراض الناس، حتى وإن وقعوا فى ارتكاب ما قد يعد خروجا على السلوك القويم هو بحد ذاته جريمة تزيد بشاعة على الفعل ذاته. وهنا أتوقف عن الاستطراد فى الكلام عن تلك الظاهرة التى أصبح يتعين على أصحاب الفلوس الذين اقتنوا تلك الكائنات داخل فضائياتهم أن يحترموا أنفسهم، وألا يواصلوا الإساءة إلى الفئة الرأسمالية كلها، وأن يتقوا الله فى النعمة التى حازوها، حتى لا تقع الكارثة على المجتمع كله.. كما يقول الله تعالى فى سورة الإسراء الآية (16): «وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا».
المسألة الثانية التى أود الحديث فيها هى الموقف البريطانى من الإخوان المسلمين، ويبدو أن «القرشانة» البريطانية يعز عليها جدا، أن تدين وتجرم بشكل واضح من كانت هى التى وضعت بذرتهم الشيطانية، وأخذت ترويها حتى اشتد عودها لتوكل إليها كل المهام القذرة التى حاول البريطانيون ومن قبلهم الفرنسيون على عهد بونابرت أن ينفذوها فى مصر ففشلوا، وأقصد بالمهام تمزيق مصر دينيا وطائفيا ومذهبيا وجهويا واجتماعيا!!
ولما عرف الاحتلال فى المرحلتين «الحملة الفرنسية، والاحتلال البريطانى» أن المصريين بطبيعتهم ينفرون من كل ما يدعو إليه الأجنبى، خاصة إذا كان مستعمرا محتلا، ذهب تفكيرهم الجهنمى إلى إسناد المهمة لمصريين مسلمين، فكان تأسيس الجماعة عام 1928 ودفعها باتجاه تمزيق الوطن المصرى، والمنطقة العربية ككل، ومما يؤكد ذلك أن كيانات أخرى سبقت تأسيس الإخوان عملت فى الدعوة الإسلامية كالشبان المسلمين، والجمعية الشرعية، ولكنهم لم يفعلوا مثلما فعل البنا وجماعته!

بريطانيا وبعد كل ما حدث ويحدث تصدر تقريرا لا يتضمن حظرا واضحا لتلك الجماعة، ولا يفرض عقوبات على من ينتسب إليها، وتركت الباب مواربا، لأنها مازالت تراهن على الخطة نفسها.. خطة تدمير مصر والمنطقة عبر الاستقطاب الدينى والطائفى والمذهبى، وهذا هو الضلال البريطانى الذى جاء عليه عصر لم تكن الشمس تغيب عن مساحة انتشاره.
                                 
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 22 ديسمبر 2015

Thursday 17 December 2015

قضــية الغــاز (2)


تلقيت عدداً كبيراً من التعليقات والتعقيبات على ما كتبته عن قضية الغاز الأسبوع الفائت، وبغير مبالغة فقد نال الأمر اهتماماً من القراء أكثر من عديد من القضايا التى أثرتها.

وفى البداية أؤكد ما يلي: أولا: أننى لست من دعاة البكاء على لبن مسكوب بقدر أننى من دعاة الاستفادة من درس سكب اللبن وهدره وحرمان مستحقيه منه. وثانيا: أننى لم ولن أكون فى موقع يختصم متطلبات الأمن القومى لوطننا الغالى أو يضعها موضع الأمور العابرة، لكننى فى الوقت نفسه أؤمن بأنه لا عصمة للبشر أيا كان موقعهم وقدرهم، وأن الأخطاء والانحرافات واردة، ولذا فإن التصحيح والترشيد واجبان وجوبا صارما. أما ثالثا فهو: أننى أدرك - وبحكم المدى الزمنى الطويل الذى مارست فيه اهتماما بالشأن العام فى مصر والأمة العربية - أن تحميل الأمور فوق طاقتها ينتقل بصاحبه من خانة النقد البناء وخدمة الوطن إلى خانة الاصطياد والهدم وتعريض الوطن للمخاطر، عدا عن أنه ليس من الإنصاف ولا الموضوعية تحميل القيادة السياسية المصرية الراهنة أوزار حقب مضت كانت كالحة السواد بالاستبداد والفساد!

وما سأستكمله اليوم حول القضية ذاتها أستمده من كراسة مرجعية صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بعنوان (فساد تعاقدات الغاز فى عصر مبارك.. تحليل قانونى واقتصادي) أعدها الباحث الدكتور «عمرو عادلى»، مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية و(ميكا مينيو بالويلو) الباحث بمنظمة بلاتفورم ببريطانيا، وضبطها بحثا عبده البرماوى، وقد وجهت المبادرة شكرا خاصا للأستاذ عمرو حمودة، رئيس مركز الفسطاط للدراسات والاستشارات، على ما قدمه من وقت وجهد للانتهاء من تلك الدراسة.

وبالطبع فإننى لن أستطيع نشر الدراسة كلها ولا معظمها، وإنما سأركز على بعض النقاط التى أراها مهمة، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات الاجتزاء أو الابتسار، ومرة ثانية أؤكد أن الفترة المقصودة فى كل ما أشير إليه هى فترة اللص - حتى الآن بحكم المحكمة - محمد حسنى مبارك!

تتحدث الدراسة عن الجذور المؤسسية للفساد فى قطاع البترول، فيما يتعلق بالتسعير البخس والأضرار البيئة، وتردها إلى أسباب أربعة، أولها: سوء إدارة الموارد الطبيعية، وثانيها: استشراء الفساد حيث يتمكن الساسة وكبار الموظفين من تحصيل مزايا شخصية على حساب الصالح العام، فيوقعون عقودا منخفضة الأسعار وبشروط مجحفة لصالح شركات تدفع لهم رشى وإكراميات، وثالثها: افتقاد الشفافية، حيث لا يلزم القانون الهيئة العامة للبترول ووزارة البترول إلا بعرض اتفاقيات التنقيب ومنح الامتيازات للشركات متعددة الجنسيات على مجلس الشعب للموافقة عليها، وعادة ما تكون مكتوبة بلغة فنية معقدة يستغلق فهمها على النواب، فلا يتم مناقشتها أو شرحها، ومن ثم يتم تمريرها دون عناء كبير، أما التعاقدات التى يتم بموجبها تحديد التزامات الحكومة المصرية فى مقابل التزامات الشركات متعددة الجنسيات فهذه تتم دراستها والموافقة عليها من قبل الهيئة العامة للبترول بإشراف وزارة البترول، وما من مواد تلزم الهيئة بالإفصاح عن مضمون هذه التعاقدات، رغم خطورتها، حيث تحتوى على مسائل كالتسعير ومدة التعاقد ونظم مشاركة الأرباح بين الحكومة والشركة، وغيرها من المسائل الجلل، ولعل الوضع هكذا مع عقود الغاز الطبيعي، فلم يتم الكشف عن أى منها باستثناء التعاقد الخاص بتصدير الغاز لإسرائيل، الذى نظرته المحكمة الإدارية وحكمت ببطلانه.

أما رابعا فيتصل بواقع أن الهيئات الرقابية - كالجهازين المركزى للمحاسبات وللتعبئة العامة والإحصاء والرقابة الإدارية - تمارس رقابتها من داخل الجهاز التنفيذى نفسه، ومن ثم يسهل استخدامها سياسيا من قبل رؤوس السلطة التنفيذية، ولا قيمة لعملها إذا كانت رؤوس الجهاز الإدارى والسلطة التنفيذية ضالعة فى الفساد - كما هو بادٍ فى التعاقد مع شركة شرق المتوسط - ناهيك عن (تكتيك) شائع فى قطاع البترول، وهو إسناد وظائف الأمن فى شركات البترول المملوكة للهيئة العامة للواءات متقاعدين!

وتنتقل الدراسة بعد ذلك إلى ما أسمته مشكلة البخس فى عقود التصدير للأردن، فتتحدث بداية عن وصف السعر العادل الذى يجب ألا يكون منخفضا بشكل كبير عن أسعار الوقود ذى الاستخدامات المنافسة للغاز فى البلد المستورد، ولا ينبغى أن يكون السعر العادل منخفضا كذلك عن سعر السوق الموضوع للغاز المسال فى الأسواق الموجودة فى التناول، ومن ثم فإن السعر غير العادل هو الذى يتيح تحقيق أرباح مرتفعة للغاية للشركات الخاصة، أو يحقق مكاسب كبيرة للدول المستوردة. وبالنسبة للأردن فعلى الرغم من أن الاتفاقيات المبرمة بين مصر والأردن ليست معلنة لكن هناك بعض المعلومات المتداولة عنها بأن البلدين وقعا اتفاقين للتنقيب عن الغاز الطبيعى فى 2003 و2007، وأن كلا الاتفاقين حدد كميات وأسعارا مختلفة للتصدير، ونص الأول على تصدير 77 مليار قدم مكعب للأردن بسعر 1.27 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ونص الثانى على تصدير 32 مليار قدم مكعب بسعر 3.06 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وتخلص الدراسة فى هذه النقطة إلى الحديث عن الخسائر التى خسرتها الخزانة المصرية جراء صفقات الغاز مع الأردن، وهى الخسائر التى تحولت فعليا إلى أرباح للشركات الخاصة وللخزانة الأردنية، وحيث يمكن القول إجمالا إن الخزانة المصرية خسرت نحو 2.8 مليار دولار بين 2005 و2010 نتيجة لبيع الغاز بهذه الأسعار!

وبعد الأردن يأتى الدور على التسعير البخس فى عقود التصدير لإسبانيا، فتقول الدراسة إنه تم النص بين الطرفين المصرى والاسبانى على سرية جميع مذكرات التفاوض والتعهد بعدم الإفصاح عن التفاصيل لأى شخص آخر، وتذكر الدراسة تفاصيل كثيرة عن الغاز المسال المصدر من محطتى دمياط وإدكو إلى أوروبا، وتصل إلى أن الأرقام التقديرية المتصلة بالفروق المتحققة بين الإيرادات الفعلية التى حصلتها مصر وبين ما كان يمكن تحقيقه من إيراد حال توقيع عقد بشروط أفضل فإن إجمالى الإيرادات المفقودة نتيجة التسعير البخس طيلة خمس سنوات 2010 - 2005 يتجاوز ستة مليارات دولار، يعنى نحو خمسين مليار جنيه مصر.

وبقى أن ننتقل إلى كارثة الكوارث التى أسمتها الدراسة قضية شركة غاز المتوسط كنموذج للفساد شبكى الطابع، وهو ما سأحاول عرضه الأسبوع المقبل.. ولعنة الله على كل اللصوص.


نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 17 ديسمبر 2015
لينك المقال:
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/460298.aspx

Tuesday 15 December 2015

الخميرة.. والضفيرة فى دندرة


 
معبد حتحور في دندرة
كنت أقدم قدماً وأؤخر أخرى ثم وجدت نفسى فى الطائرة بصحبة أربعة أصدقاء، هم الدكتور هانى رسلان صاحب الدعوة، والدكتور طه عبدالعليم خبير الاقتصاد السياسى، والدكتور إبراهيم نوار الخبير الاقتصادى، والإعلامى المتميز الأستاذ بالجامعة الأمريكية حافظ الميرازى، ومن القاهرة للأقصر، ومنها إلى قنا، ومن قنا إلى دندرة التى التصق اسمها فى ذهنى بعلامتين، الأولى: معبد دندرة الذى درسته أثناء المرحلة الجامعية فى مادة تاريخ مصر القديم، وكيف أنه معبد متفرد ومتميز، والثانية: العبارة التى كنا نرددها إذا أردنا شرا بأحد فنهدده «هانخليها دندرة»، إثر غرق إحدى بواخر الركاب، وكانت تحمل اسم تلك «القرية ـ المدينة» التى تقع بالقرب من مدينة قنا، مطلة على النيل الخالد!

كانت المناسبة هى المنتدى الاقتصادى للأسرة الدندراوية، الذى انعقد السبت الفائت وسبقه المنتدى الثقافى، وقد دار الحوار فى المنتدى الاقتصادى حول طاقات الجنوب!

كنت لا أعرف شيئا عن الأسرة الدندراوية إلا نذرا يسيرا جدا من بعض الأخبار فى الصحف ومن حوارات سريعة للغاية مع الصديق هانى رسلان، إلى أن دخلت مع الصحبة من البوابة الكبيرة إلى الممر الطويل، حيث يصطف عدد من الشباب المرتدى ثيابا إفرنجية أنيقة، ثم إلى السرادق الممتد على أعمدة خشبية وعليها «الفراشة» المدموغة بخاتم الأسرة الدندراوية.. سرادق أو بلغة أهلنا «صيوان» على امتداد البصر يغطى نحو خمسة أفدنة، ومنصة مهيبة وميكروفونات ذات سماعات ضخمة تبث الصوت بلا أدنى صدى أو شوشرة!

دخلنا وقدمنا الدكتور رسلان إلى عميد الأسرة الدندراوية الذى يحمل لقب «الأمير» هاشم بن الفضل بن العباس بن محمد الدندراوى.. شاب فى العقد الخامس، يرتدى الجلباب الصوفى التقليدى ذا القياطين فى أكمامه وفتحة صدره، والعمامة البيضاء الملفوفة لفة صعيدية على طاقية بيضاء.. وتواضع بلا حدود.. ثم بعد لحيظات كان الرجل يترجم من الإنجليزية إلى العربية العرض الذى قدمه أحد رجال الأعمال الإندونيسيين، وقبلها كان يلقى كلمته بعربية فصيحة سليمة لا لحن فيها ولا تحريف ولا غموض، وموضوعها عن التنمية المستدامة فى جنوب مصر ودور المراكز التنموية التى أقامتها الأسرة الدندراوية.. ما الحكاية؟!

الحكاية أننى ومئات وربما آلاف مثلى كنا وما زلنا نحلم بنموذج وطنى تنموى شامل له أبعاد حضارية وثقافية ووجود شعبى واسع ويعتمد العلم والتكنولوجيا والتدريب المتخصص مناهج ووسائل ويرتبط به الناس بمختلف فئاتهم وطبقاتهم وطوائفهم ومذاهبهم الفقهية والفكرية ومشاربهم الوجدانية وتوجهاتهم السياسية!

وهناك فى دندرة، لم أجد مدخلا للكلمة القصيرة التى ألقيتها إلا أننى وجدت الحلم محققا على أرض الواقع!

كنت ومازلت أتحدث وأكتب عن الخميرة والضفيرة.. وأستشهد بقول السيد المسيح له المجد «قليل من الخميرة يخمر العجين كله» عندما أشرح أقرب وأسهل وأقوى الطرق لنشر وتعميق التنمية الشاملة والمستدامة فى ربوع وطننا، حيث يمكن لمجموعة صغيرة «خميرة» أن تبدأ التفاعل لتنتقل إلى محيط أوسع فأوسع!

أما الضفيرة فهى تجسيد لعبقرية المصريين فى جدل أو تضفير المعطيات الحضارية والأبعاد الثقافية بالمعنى الواسع للثقافة فى ضفيرة أو ضفائر متماسكة شديدة التداخل عظيمة القوة.. وعادة ما أضرب مثلا بضفيرة إيزيس والعذراء أم النور والسيدة زينب أم هاشم، وكلهن عند المصريين طاهرات، تجمعهن وحدة المعاناة والصبر والتحمل والعطاء.. فإيزيس عاشت محنة قتل وتمزيق زوجها أوزوريس وتوزيع أشلائه على فروع النيل الاثنين وأربعين فجمعتها وحملت حملا معنويا من رفات زوجها لتنجب حورس ويأتى من دموعها فيضان النيل.. والعذراء أم النور عاشت محنة آلام ابنها له المجد وصبرت وأضحت من اصطفاها الله وطهرها واصطفاها على نساء العالمين، وكذلك السيدة زينب التى عاشت محنة أخيها سيد الشهداء الحسين بن على وبقية أسرتها، وصمدت ودافعت بقوة عمن تبقى من نسل أخيها وواجهت الطغيان الأموى ببسالة نادرة!

فى دندرة استمعت وشاهدت.. استمعت لإنجازات هائلة فى خدمة الناس بالتعليم والتدريب والتوجيه والسلوك القويم، وشاهدت البشر المملوئين حياء ووقارا ومودة وقدرة على العطاء.. والآخرين الذين عبروا عن فرحهم بالتحطيب والموسيقى البديعة! ثم جلست إلى الأمير هاشم لأستمع إلى رجل يجيد الإنصات ويتقن الحديث الذى يمتلئ بالمضامين وحب الخير والحق والجمال، وطالعت الصرح الذى بناه أبوه للضيافة على الطراز المصرى القديم، الذى يحوى داخله فنون العمارة الإسلامية، ثم عدت لأنقب عن المعلومات.

فى عام 1875 أسس السلطان محمد الدندراوى هذا الجمع، الذى حمل عدة أسماء منها «الجماعة السلفية أتباع السادة الدندراوية» و«مريدو الطريقة الأحمدية» و«مريدو الطريقة الرشيدية» و«جمعية أبناء العباس» و«رجال الدندراوى»، وحيث إن هذه الأسماء كلها لا تنطبق على ذلك الجمع البشرى المسلم، لذا ففى عام 1973 استقر القرار على أن يتخذ اسما مشتقا من هوية تكوينهم المحمدى، ومن ملامح كيانهم الدندراوى، فكان الاسم المختار هو «جمع إنسان محمد ــــــ الأسرة الدندراوية»!

إنهم يفرقون بين السلفية والتسلف ولذا لا يرفضون الصوفية بل ينظرون إلى المشارب الصوفية على أنها مدارس الآداب المحمدية التى تختص بتعليم المسلم أصول أحكامه الإسلامية بحسن التأسى بالأسوة المحمدية الحسنة، وتكسبه الذوق الرفيع فى الإدراك والهمة العالية فى الإرادة، كما أن هذه المشارب تغذى الأرواح بأوراد أذكارها وصلواتها، وترتفع بالإنسان الذى يمارسها من سفلية طينته إلى سمو بشريته، ولذلك فهم ليسوا طريقة صوفية وإنما يأخذون بمشرب صوفى ولا يتعصبون لمشرب دون الآخر! وهكذا حالهم بالنسبة للمذاهب الإسلامية، فرغم أن مؤسسهم يأخذ بفقه المذهب الشافعى إلا أن الدندراوية ينظرون إلى المذاهب الأربعة على أنها المدارس التى يتعلم منها الإنسان المسلم أحكام الشريعة فى العبادات والمعاملات وفق مسلك السنة النبوية القويم، ثم يأتى موقفهم من أصحاب الديانات الأخرى لينبنى على أن مجتمع الإسلام من منظورهم هو مجتمع تعددى يعيش فيه المسلم مع غير المسلم، ويعتمدون المواطنة كأساس للعيش فى مجتمع واحد، واحترام الشريك الاجتماعى غير المسلم، حيث إنه ليس مقبولا عقلا وشرعا أن يتهدد أمن أى مواطن، أى حياته وسلامته وجواره.

وهناك موقفهم من المرأة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الأسرة، وهى الشريك للرجل لتحقيق الإصلاح الإنسانى.

وفى الصف الأول داخل السرادق الذى ضم آلافا من البشر كان يتصدر المطران الأرثوذكسى لقنا.. ورأس الكنيسة الكاثوليكية هناك وممثلون للكنيسة الإنجيلية ورهبان بزيهم الرهبوتى البديع.

هناك أحسست بفعل الخميرة.. وشاهدت الضفيرة.


نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 15 ديسمبر 2015

Thursday 10 December 2015

The gas case




It’s very strange that the Egyptian government has issued a statement saying that the fine imposed by an arbitration agency in the case of exporting natural gas to the Zionist state – which is about 2 billion dollars; meaning about 17 billion Egyptian pounds – has nothing to do with the government… and that it’s the Egyptian General Petroleum Corporation (EGPC) and the gas company that are entitled to pay for this fine… they talk as if this corporation and company exist in other country and not ours… and that this gas is extracted from Mars and not from our land.

But what is not strange indeed is the alliance made between Mubarak’s regime – the thief as ruled by the court verdict – and Egyptian capitalism… such capitalism that includes some examples which are more savage and notorious than Dracula and Judas combined.

We find ourselves standing before a case that clearly describes how mean was this group of profiteers who ruled our country for 30 years… such group that followed after what its founder; Sadat had established when he once said: “Egypt has become more expensive… those who will not make fortunes during my time… will never make it”… then the unbridled Infitah started; meaning the open market but in the Sadat’s way… that Infitah that was the beginning of inclination and deterioration…

It’s like applying the theory of Communicating vessels on such capitalist group… again, there was another strange phenomenon; both parties, meaning the ruling regime and the allying capitalist group pretended to be pious and devout… and that’s why they made reconciliation with those who had the same false devotion; meaning muslim brotherhood and all their likes… and so, they were in good terms with them since the seventies and until their spiritual leader; Murshed, ruled Egypt.

The gas case started by forging numbers of gas reserves… when then-minister of petroleum used to declare everyday that we are floating over massive layers of gas reserves and those reserves will not drain in thousand years… but certainly this crime does not end by exporting the gas to the Zionist enemy at very low prices compared to the international market price… it seems they exaggerated about the reserves’ numbers to give an excuse for exporting the gas for the enemy at such unbelievably very low prices… not caring a bit if they are betraying their homeland and stabbing it in the core of its coming generations’ future in doing such treason deed.

Before continuing further, I want to say that I still don’t understand how a sovereign government agency was involved in such thing… and why this agency has not issued a statement replying and refuting such thing… and if there was a mistake, it’s very likely that they admit it and unveil their firm intention to correct it and not do it again.

Now we go into discussing the whole of our national natural resources of minerals similar to gas… also discussing the necessity to open all its files through the last five decades so that first, people can know what natural resources they possess… second, to know how to deal with such treasures… third, to know those who put their hands on those resources and whether they looted and stole them or not and the fortunes they made out of looting public money… forth, people shall know where and how such fortunes were deployed?... and had those fortunes stolen helped reinforce corruption, despotism and social inequality or not?... and what is the vision and program of the current regime to stand against what is still left of such corruption practices on all levels?

Now, they will say… “hey… look… this man has a grudge against capitalism and capitalists… he adopts an ideology that is anti-progress that guaranteed modernity for developed countries… he is calling for class struggle and is enflaming it”… but they have already started saying and “acting” on all levels…

And so we can simply understand the daily recurring vicious campaign against the decades of the fifties and sixties… and against Gamal Abdel-Nasser and his social ideology… it’s a recurring campaign indeed including some capitalists and businessmen… you can also find some journalists and articles and columns’ writers… also media people and others who work for such capitalists… joining this campaign…

Almost daily, you can meet one of those opening fire at any event, occasion, saying or stance that belongs to Nasser… I can even tell for sure that some of them write as per instructions given to him from a capitalist owning a media facility or just to satisfy the one owning the facility he is working for to guarantee the business owner’s consent.

Their undeclared goal standing behind such attack is delivering a daily message to president Sisi and his ruling regime not to follow Nasser’s model… otherwise, you will be attacked in the same way until you retreat or disappear.

Now, back to the gas case, the substantial fine and our government… I want to assure here that nations’ memory is not weak… and that accumulating crimes will lead to change in the right moment with every means available… starting from reform and reaching to violent revolution… Re-prosecute those thieves… looting nations’ national treasures and natural resources is not a minor crime.


This article was published in Al Ahram newspaper on December 10, 2015.

To see the original article, go to:


#alahram #ahmed_elgammal #gas_case #Egypt